قال لرستم: أنقذت لك ثروة. - لا أستطيع الإنكار، ولو أنك أيضا حصلت على مبلغ عظيم. - فما رأيك في هدية أخرى أقدمها إليك. - أي هدية؟ - أنا. - ماذا تعني ؟ - أتزوج فوزية هانم.
وأصاب رستم الذهول وصمت، وأكمل عبد الشكور: أنا مدير بنك أنت تعرف مكانته؛ بدليل إنك تضع فيه أسهمك، وأنا أملك الآن ثروة لا بأس بها، فأنا لا أطمع في ثروتك. - أنت تطمع في الزواج من أسرة عريقة. - وهل في هذا بأس؟ - لا بأس؛ على شرط أن تكون كفئا لها. - ما الكفاءة إن لم تكن منصبا ومالا؟! - أن تكون من أسرة في نفس العراقة. - هل تعرف أصلي؟ - لو كان لك أصل لكنت عرفته. - إنني من أسرة ريفية، وأبي من أعيان البلدة، وأنا أشترك في هذا مع الأغلبية الساحقة من أصحاب المناصب في أيامنا هذه. - أيامنا هذه قلبت الهرم من أساسه. - لا تملك أن تقاوم التيار. - إنها ابنتي. - إن لم تشترط إلا الحصول على ابن أسرة فتأكد أنه في الغالب الراجح سيكون طامعا في مالك.
وصمت رستم قليلا. - ولكن أصوله ستجعله عفيفا. - وشحاذا أو قريبا من شحاذ.
وصمت قليلا: لا تستطيع أن تنكر أن هناك أصحاب مناصب وثراء من أسر عريقة. - نادرون. - ولماذا لا تتزوج فوزية واحدا من هؤلاء النادرين؟ - لأن أحدا منهم لا يعرفها ولا تعرفه، وأغلب الأمر أن يتزوج أبناء هؤلاء من قريباتهم ومن العائلات التي تصادقهم ويعرفون كل شيء عنها. - ربما رشحت له فوزية من زميلة لها أو من إحدى الأسرات التي تتصل بها. - إنك لا تكاد تتصل بأحد؛ فالفرصة أمام فوزية في الزواج تكاد تكون معدومة. ومن تلك التي سترشحها من زميلاتها؟ أولى بها أن ترشح نفسها. - فوزية أكملت دراستها في الأدب وتجيد الفرنسية والعربية. - وأنا أجيد الإنجليزية والألمانية وأنت تعرف. - على فكرة، ما شهادتك؟ - مدير بنك.
وصمت رستم طويلا. لقد كبرت البنت ولم يتقدم أحد لخطبتها، ولم تستطع أن تكون أصدقاء أو صديقات في الكلية؛ فقد كانت تربيتها المتزمتة حائلا بينها وبين الانسجام مع زملائها وزميلاتها. وإذا لم أقبل هذا النصاب اللص المزور فالله يعلم ماذا يمكن أن يحدث.
ولم يتركه عبد الشكور لصمته بل قال في حسم: أنا أعرف عنك أسرارا ليس من مصلحتك أن تذاع.
وفزع رستم وهو يقول ذاهلا: وتهديد أيضا؟! - بل تذكير. - تقصد ... - أنت تعرف صلاتي؛ أستطيع أن أضعك أنت وفوزية تحت الحراسة بتليفون من بيتك هذا.
وأطرق رستم في رعب؛ ماذا يبقى له، إنه بلا صديق ولا معين إلا ماله. وهذا الآدمي المحسوب خطأ على الإنسانية يستطيع أن يدمر حياتي وحياة فوزية في لحظة، ويصبح علينا الصباح أو يمسي علينا المساء فإذا نحن متسولون نستجدي البقاء على الحياة من أيد لا نعرفها ولا تعرفنا. لم يترك لي خيارا.
نظر طويلا إلى عبد الشكور، وجمع على لسانه في جهد شديد حروف كلمة واحدة. - أسألها.
وأدرك عبد الشكور أنه بلغ مراده فقال في توقح: هذا شأنك. على شرط ... - وشرط أيضا؟ - أن تذكر لها ما كنت تفكر فيه الآن. - أتعرفه؟ - بالتفصيل. - فلنسألها رأيها. - ليس لديها خيار.
अज्ञात पृष्ठ