54

فلما أرادت الرجوع إلى أهلها قالت: أي بني، إني قد تزودت لسفري، فليت شعري، ما زادك لبعد طريقك، ويوم معادك؟! اللهم إني أسألك له الرضى برضائي عنه. ثم قالت: استودعتك من استودعك في أحشائي جنينا، وأثكل الوالدات، ما أمض حرارة قلوبهن، وأقلق مضاجعهن، وأطول ليلهن، وأقصر نهارهن، وأقل أنسهن، وأشد وحشتهن، وأبعدهن من السرور، وأقربهن من الأحزان!

وقالت الجمانة بنت قيس بن زهير تنصح جدها الربيع بن زياد

إن كان قيس أبي، فإنك - يا ربيع - جدي، وما يجب له من حق الأبوة علي إلا كالذي يجب عليك من حق البنوة لي. والرأي الصحيح تبعثه العناية، وتجلي عن محضه النصيحة. إنك قد ظلمت قيسا بأخذ درعه، وأجد مكافأته إياك سوء عزمه، والمعارض منتصر، والبادي أظلم، وليس قيس ممن يخوف بالوعيد ولا يردعه التهديد، فلا تركنن إلى منابذته، فالحزم في متاركته، والحرب متلفة للعباد، ذهابة بالطارف والتلاد، والسلم أرخى للبال، وأبقى لأنفس الرجال. وبحق أقول: لقد صدعت بحكم، وما يدفع قولي إلا غير ذي فهم. ثم أنشأت تقول:

أبي لا يرى أن يترك الدهر درعه

وجدي يرى أن يأخذ الدرع من أبي

فرأي أبي رأي البخيل بماله

وشيمة جدي شيمة الخائف الأبي

وقالت بنت حاتم للنبي

صلى الله عليه وسلم

يا محمد، هلك الوالد، وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلي عني فلا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك العاني، ويحمي الذمار، ويقري الضيف، ويشبع الجائع، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم طي. فقال لها النبي

अज्ञात पृष्ठ