79

अदब व हयात

الأدب والحياة

शैलियों

فأجبتهن الله أيد دينه

وأقام للإسلام فيه غضنفرا

وعندما لمته على هذه البداية المصطنعة قال لي إنها من تقاليدنا ونحن لا نستطيع الفكاك من أسر التقاليد! وعندها ذكرت مئات الأغاني العربية سواء منها المكتوبة بالفصحى أو العامية، والتي ترسم صورا للعلاقة بين الرجل والمرأة تستند إلى ميراث الشعر القائم على «الخيالات»؛ (فأعذب الشعر أكذبه) ولا يمكن أن تتحقق بأي صورة من الصور في عالمنا الحقيقي الملموس ونحن نصر على أن ننقل في شعرنا الفصيح والعامي عن الماضي نقلا مباشرا غير واعين بالتغير الذي فرض نفسه فرضا على حياتنا؛ إذ ما نزال أسرى ازدواجية الزمن!

عام مصر الرائعة

كان الجو يوحي بأوروبا القديمة، وقد اكتست القاعة أزهى حللها، والكل يترقب اللحظة التي تقدم فيها كريمتا نجيب محفوظ لتسلم الجائزة الكبرى، عندما انبعثت أنغام شرقية حانية، يسودها صوت آلة التشيلو وظهر على شاشة التليفزيون الموسيقار المصري ناجي أحمد الحبشي الذي طاف الدنيا بموسيقاه المصرية، وهو يحتضن آلته المفضلة، ورأيت وجهه الذي كسته الغضون وشعره الذي انحسر وما خطه الشيب إلا قليلا. وقرأت على محياه انفعالا لم أعهده فيه - ولم أكن قد رأيته منذ أوائل الستينيات بعد عودته من بعثته في إيطاليا - وأحسست بدفقات قلبه في المقامات المينور (الصغيرة) فكأنما كانت الأنغام هي مصر التي تعيش في وجدانه، وشعرت به يرنو إلينا وهو في تلك الأصقاع الباردة، بينما ترنو إليه أنظار العالم تسمع فيه مصر وتراها، وغلبني التأثر فغلبتني العبرات.

كانت مصر قد تحولت في تلك اللحظة إلى ذهن جبار يرمز له نجيب محفوظ مثلما يرمز له أبناؤه من الكتاب الذين أبدعوا إبداعات رائعة، سواء كانت استمرارا لمذهبه أو خروجا عليه، وأحسست أن وفاء النيل هذا العام كان في معنى من المعاني رمزا لتدفق العطاء في أرض هذا الوادي، وأن فترات الجدب من حين إلى حين ما هي إلا نذر، تذكرنا بأننا لا بد أن نعمل، وبأننا إذا عملنا فحرثنا وبذرنا ورعينا وسهرنا فالحصاد يرعاه رب الكون.

كيف تجتمع في صورة واحدة آلاف الصور؟ وكيف تتكثف لحظات الزمن في لحظة واحدة؟ لا أزعم أنني أعرف الإجابة، ولكن الزمن - هذا اللغز الأكبر - كان قد توقف ليضم شتى المشاعر التي انضغطت فتبلورت وسطعت كأنها شهاب يذهب بالأبصار سناه. وأطلت من ثنايا النفس صور مصر والمصريين الذين عرفتهم إبان مقامي سنوات عشرا في أوروبا؛ «أذهان العالم» هكذا كانوا يسموننا في إنجلترا، أيا كان ما نفعل وأيا كان التخصص الذي اختاره كل منا. فهذا طبيب شاب يعمل في مستشفى إقليمي عامين اثنين يثبت فيهما براعة مذهلة يعين بعدها مدرسا للجراحة في الجامعة، وذاك مهندس تضيق به سبل العيش في مصر فيعمل في أحد الفنادق عدة أعوام ولا يلبث أن يشتري سلسلة من الفنادق! وبين هذا وذاك عشرات من المصريين الذين عرفتهم لا يرضون بغير القمة ويجبرون أمم الأرض على ألا تخلط بين مصريتهم والجنسيات الأخرى.

وانثالت الصور التي تؤدي إلى سؤال أوحد: هل كان على ناجي الحبشي أن يقيم في السويد حتى نقر له بالامتياز ونعترف له بالتفوق؟ هل كان على موسيقاه أن تأتينا عبر الأثير حتى نقول إنه موسيقار عالمي؟ أعلينا أن ننتظر اعتراف العالم بنا حتى نسترد ثقتنا في أنفسنا؟ لقد كنت من المؤمنين دائما بعبقرية مصر، وحولي في كل مكان دلائل قاطعة على تميز الذهن المصري والموهبة المصرية، ولكننا - بكل أسف - ما زلنا نعيش في أطر العهود الغابرة التي أجبرنا فيها إجبارا على احترام ما هو أجنبي وازدراء ما هو محلي! بل إن بيننا من لا يخامره شك في امتياز أي عمل أدبي ما دام مكتوبا بلغة أوروبية، ومن يقطب جبينه وتعلوه سيماء الترفع حين ينظر إلى ما هو مكتوب بالعربية، بل إننا ندرس في الجامعة بعض صغار الشعراء من الأوروبيين الذين لا يستحقون القراءة أصلا، ونتجاهل فحول الشعراء من المصريين الذين يرقون إلى مصاف العالمية الحقة.

لقد كان عام 1988م عام العبقرية المصرية، عام مصر الرائعة، فأرجو أن نعي الدرس جيدا وأن نحترم مبدعينا ومفكرينا من الرواد والمعاصرين، وألا ننتظر جائزة نوبل أخرى حتى نحترم القمم التي تعيش بين ظهرانينا ولم تبلغ من العمر أرذله، فربما لا يكتب لهذه القمم أن تبلغ هذه السن.

شوارد

अज्ञात पृष्ठ