وإذا رفضت المرأة هذا الدور، أو قبلته بضيق أو غضب، فهي مريضة نفسيا وتعالج بالحقن أو الأقراص أو الجلسات الكهربية. ويسمى هذا العلاج في الطب بالعلاج النفسي، وهو يلعب الدور الأخير في قتل البقية الباقية من «الأنا العليا » وطموح المرأة الفكري.
تصبح المرأة بعد العلاج مطيعة هادئة، مستسلمة لدور الخادمة أو الوضع الأدنى، ويقال عنها إنها «مثالية»، وفي أعماقها تشعر أنها «مقتولة» أو «ميتة».
وقد تختلف قصص هؤلاء الأمهات القاتلات في بعض التفاصيل، إلا أنهن يتفقن جميعا في ذلك الإحساس العميق أنهن مقتولات، وتقول الواحدة منهن بلغات مختلفة ولكن بنفس المعنى: في داخلي أشعر أنني ميتة، أو هناك شيء ميت في أعماقي.
وقد تختلف أسباب الاكتئاب عند هؤلاء النساء، لكنهن يتفقن في أنهن متفرغات للخدمة في البيت أو البيوت.
وقد تعمل المرأة خارج البيت، لكن عملها يندرج تحت أعمال الخدمة، ويعد امتدادا لواجباتها المنزلية ... وقد يكون الأب هو الذي أجبر ابنته على ترك الدراسة التي تحبها، أو الزوج هو الذي أجبر زوجته على ترك عملها الذي يحقق لها بعض الاستقلال أو السادة. وقد يتخذ الإجبار شكل العنف الواضح أو غير الواضح، وقد يستتر تحت ستار رقيق من الحب، أو الحماية، أو التضحية من أجل الحب، أو من أجل الأطفال.
وكم من المآسي تحدث لكثير من البنات والنساء باسم الحب، أو الحماية، أو التضحية، وتجد الواحدة منهن نفسها بين الجدر الأربعة، وقد تكتشف فجأة أو بالتدريج أن حياتها خاوية تماما كعدم الحياة. وهنا تحدث الصدمة النفسية لهؤلاء النساء، وتسمى في علم النفس بصدمة «انعدام المؤثرات في الحياة»، وهي تشبه صدمة الموت، لكن الجسد يظل على قيد الحياة.
وقد تختلف الصفات النفسية والجسمية لهؤلاء الأمهات القاتلات، إلا أنهن يتفقن في صفة تكاد تكون واحدة، وهي الرقة الشديدة، وملامح الملائكة أو القديسات. وهن بالفعل قديسات، متدينات، منتظمات في الصلاة وشكر الله على وضعهن الأدنى، وتخلو حياتهن تماما من الأخطاء، بمثل ما هي خالية من كل شيء آخر، بما فيها الرغبة الزوجية.
ويفسر بعض الأطباء هذا البرود العاطفي أو الجنسي على أنه السبب وراء الاكتئاب، مع أن هذا البرود ليس إلا نتيجة لسبب آخر؛ فالمرأة لا يمكن أن تقتل فكريا، وتظل رغبتها الجنسية صاحية وحدها هكذا . إن النشاط الجنسي في حياة المرأة جزء من النشاط الفكري، ويدركها البرود حين يتبلد فكرها، ويدركها الموت أيضا حين يموت فكرها.
ولكن كيف تنقلب هذه الرقة الملائكية لتصبح عدوانا يبلغ حد القتل؟!
إن الرقة الشديدة والعدوان الشديد وجهان لعملة واحدة. وأخطر القتلة لهم ملامح أرق من الملائكة.
अज्ञात पृष्ठ