चिकित्सक की शिष्टाचार पुस्तक
كتاب أدب الطبيب
शैलियों
ولا يغنى الطبيب أن يعلم أن ذلك كذلك، دون أن يعلم أن لطبائع الأبدان طبقات، أوسطها المعتدل الطبع، وأن عن جنبتى هذا الوسط طبقات من الأمزجة الصحية والمرضية، إلى أن تنتهى إلى نهاية ما يمكن من الفساد، ما لا يحصى، وأن يعلم أيضا ما لكل نوع من هذه الطبقات من العلامات التى يستدل بها عليها. ومثال ذلك العلامات التى ذكروها للمزاج الحار، والمزاج البارد، فإنها، وإن كانت كأنها تدل على شئ واحد، فإنها بالحقيقة هى بأعيانها تدل على أشياء كثيرة، لأنها تدل على نوع المزاج الحار، وهو واحد، وبكثرتها، وقلتها، وشدتها، وضعفها، وتغاير أزمانها، تدل على أمزجة أشخاص النوع كلها. وذلك أن علامات المزاج الحار اليابس مثلا، هى أن يكون الصدر واسعا، والعروق واسعة، والنبض عظيما، والنفس ذات شجاعة ونجدة، والبدن كثيف العضل، وثيق المفاصل، مقاربها، والجلد أسود، أو آدم صلبا، والشعر كثيرا أسود، والشحم قليلا، والبدن قضيفا، وأضداد هذه العلامات هى علامات البدن البارد الرطب.
فكما أن الأمزجة الحارة اليابسة، والباردة الرطبة، فى الشدة و الضعف، كثيرة لا تحصى، كذلك هذه العلامات، وأمثالها من علامات باقى أنواع المزاج الثمانية، لها طبقات ومنازل، بعضها أشد من بعض، لا تحصى، تدل الطبيب على أمزاج الأشخاص الذين قصد حفظ صحتهم، أو علاج أمراضهم. ولا يليق بقولنا هذا إحضار علامات الطبائع، إذ ليس لذلك قصدنا بكتابنا هذا، وإنما ذكرنا ما ذكرنا على طريق المثال، والتشبيه، للعقلاء من أهل صناعة الطب، وحثا للمتعلمين. فأما أفاضل هذه الصناعة، فإنهم بما قد قرؤوه من كتبها، يستغنون عن كثير من ذلك. فلنكتف بما ذكرناه فى هذا الباب، ولنعد إلى مقصدنا، فنقول:
أما إذ فرغنا من ذكر جمل وعيون الأمور الطبيعية التى كانت حاجتنا إلى ذكرها ماسة فى ذكر مصالح البدن، وإصلاحه، وما تدعو الضرورة للطبيب خاصة ولسائر من قصد صلاح جسمه إليه، إذ كان أول قصدنا من تأديب الطبيب، إنما كان لصلاح نفسه، وتقويم أخلاقه أولا، وقدمنا ذلك على مصالح جسمه، لتقدم النفس بالشرف على البدن، 〈و〉جعلنا لذلك بابا مفردا، وهو الباب الأول الذى قبل هذا. ثم لما قصدنا فى هذا الباب الثانى ذكر مصالح البدن، لأنه الجزء الثانى من شخص الإنسان، وقلنا فيما تقدم من هذا الباب إنه لا يسع الطبيب الجهل بمعرفة أعضاء البدن، وبمراتبها، إذ كان منها شريف مخدوم، ومنها خادم أيضا، ومنها ما خلقت آلات وخدما للنفس الناطقة، ومنها ما خلقت مع ذلك آلات وخدما للطبيعة، وقلنا إنها مختلفة الأمزجة والهيئات، وإن من قصد حفظها، وعلاج مرض، إن عرض لواحد منها، فهو محتاج إلى معرفة جميع حالات 〈البدن〉، فإن الطبيب أحوج الناس إلى ذلك، ليصلح حال جسمه هو أولا، ثم حالات أجسام الناس. كما أنه ينبغى أن يؤدب نفسه أولا، قبل التعرض لما ذكرناه من هذه الصناعة الشريفة.
فلذلك دعتنا الضرورة 〈إلى〉 أن نرى لتدابير الأعضاء قانونا، يقدر ذو الفطنة اللطيفة، والقريحة الصافية، أن يستعمله فى جملة البدن، وفى عضو عضو من أعضائه، ولم يكن لنا بد فى ذلك من اتخاذ مثال للطريق الذى يجب أن نسلكه فى ذلك القانون، فاتخذنا من جملة الأعضاء الدماغ مثالا. وذكرنا من الطرق الواجب ذكرها، ومن الأمور الطبيعية التى هى ضرورية فى بقاء الشخص، وكيف ينبغى أن يختار منها الأصلح، غير أنا قصدنا بذلك تنبيه الطبيب على ما لا بد له من علمه.
पृष्ठ 72