चिकित्सक की शिष्टाचार पुस्तक
كتاب أدب الطبيب
शैलियों
فأما فروع هذه الأصول، فبغير شك أن استخراج ما استخرج منها، هاتان الآلتان استخرجتاه. ولا يوجد طريق آخر لاستخراجه، اللهم إلا أن يقول قائل إن الحلم والتكهن قد عرفا أدوية الأمراض، وتدابير علاج كان الشفاء من تلك الأمراض بها، وحفظت، واتخذت أصولا، كالذى حكاه جالينوس أنه رأى فى منامه قائلا يقول له: افصد العرق الذى فى ظهر كفك، بين السبابة والبنصر! فإنك تبرأ من المرض الذى تجده! وكان يجد مرضا قد أعياه علاجه، ففصد ذلك العرق، وبرئ من مرضه.
فإنا نقول لهذا القائل: إن ما ذكرته من أمر الأشياء التى علمت من جهة الحلم، والتكهن، لسنا ننكره، لكنا نقول: إنه من نوع ما به علمت أصول صناعة الطب، الذى ذكره قصدنا، وهو أحد الأسباب لشرفها، وهذا النوع من التعليم الذى منه علمت أصول هذه الصناعة، هو الذى ذكره جالينوس فى تفسيره لكتاب عهود بقراط وايمانه، فإنا نقول: إن صناعة الطب تعليم من الله تعالى وهبة وتفضل على نوع الإنسان. ولأنا قد ذكرنا بعض ما قاله فى هذا المعنى فى صدر كتابنا هذا، فلذلك نستغنى بما قيل هنالك عن إعادته هاهنا.
وإذا كان الأمر على ما قلناه، فقد وجب أن تسمى صناعة الطب إلهية، وأن يسمى من اقتناها بالحقيقة، أو أخذ نفسه باقتنائها، وسلك طريقها، إلهيا. وكيف لا يستحق هذا الاسم الشريف، وهو حريص، مجتهد فى التشبه بأفعال البارئ جل وعز، إذ الكافة تعلم أن الخالق، تقدست أسماؤه، جواد، كريم، رؤوف، رحيم، شاف، معاف، واهب الصحة للأصحاء، وحافظها عليهم، وشافى المرضى من أمراضهم، وبلطفه يكفيهم، فهو بالحقيقة القادر القدرة التامة على حفظ صحة الأصحاء، وعلى شفاء المرضى.
〈أما〉 الطبيب، فمعلوم أيضا أن قصده التماس الصحة، وغايته إحرازها، ولا يقدر على ذلك، إلا بصناعة الطب التى هذا قصدها، وغايتها، وهى موهوبة من الله تعالى لخواص من خلقه، بأفعاله يقتدون، ومن حكمته يستمدون. فبذلك يجب على كل عاقل يعرف قدر نفسه، ويؤثر الصحة لجسمه، أن يشرف الصناعة الإلهيةر المصلحة للبدن، المقوية لأخلاق النفس، إذ أخلاق النفس تابعة لمزاج البدن.
ومما يوضح شرف الصناعة الطبية أيضا، ما تثمره للناس كافة، من المنافع التى تؤديها 〈لهم〉 على مقادير أفهامهم إليها. فأول نفع يصل إليه الفهم بها، هو الإقرار بتوحيد البارئ، والمعرفة للطيف حكمته، وعلو قدرته، وحسن عنايته بسائر خلائقه، وذلك عند تأمله مزج الممتزجات، وتركيب المركبات، من سائر المحسوسات الجامدات، على اختلاف أصنافها، والناميات على كثرة فنونها، والحيوانات مع تباين أنواعها، ثم ما يختص به كل نوع من ذلك، وخاصة نوع الإنسان.
पृष्ठ 120