चिकित्सक की शिष्टाचार पुस्तक
كتاب أدب الطبيب
शैलियों
ومثال ذلك أن طبيبا استدعى إلى مريض به إسهال، فرأى صورة المريض، وعرف من لون برازه أنه عن صفراء مفرطة، وكذلك استدل أيضا من سنه، ومن الزمان الحاضر، ومن سحنة المريض، وعمله، على أن جميع هذه قد أوجبت كثرة الصفراء فى بدنه، إذ كان سنه سن الشباب، والزمان زمان القيظ، وسحنته تدل على أن مزاجه حار يابس، وكان — مع ذلك — عمله بعض أعمال النار. فقد صح من جهة الحواس معرفة بعض أسباب المرض. ولأنه لم يشاهد هذا المريض قبل ذلك الوقت، فبغير شك، لابد له من مساءلة المريض، أو من يخدمه، عن أشياء كثيرة ، لم يقدر عليها من جهة الحس، منها معرفة زمان ابتداء المرض، ليعلم من ذلك كم قد مضى من الزمان، منذ ابتدأ، وإلى ذلك الوقت، فيعلم كم مقدار ما نقصت، وكم بقى، بحسب قوة المرض، وضعفه من الثبات. ومنها أيضا معرفة مقادير المجالس، وتواترها، وهل تختلف فى الكثرة والقلة، ليلا ونهارا. ومنها أيضا معرفة بقية الأسباب التى لم تظهر للحس، من ذلك مساءلته عن أغذية ذلك المريض، ما كانت، وكم كان مقدارها، وأوقاتها، وترتيبها. وكذلك أشربته، ومنها هل سقى دواء، أو كان له تدبير أوجب ذلك، مما يعلمه المريض، وأشباه هذه الأشياء. فإذا هو وجد الأسباب الموجبة لذلك الإسهال الصفراوى قد تشابهت، صح عنده علم سبب المرض. وأيضا فإذا كان المرض مثلا حمى غب قد أوجب كونها هذه الأسباب على ما قلناه قبل، ووجد الإسهال قد حدث فى وقت بحران المريض، فقد اتضح له أن الإسهال هو لبحران ذلك المريض من مرضه.
وقد يضطر الطبيب فى أوقات إلى مساءلة من يخدم المريض، لا المريض، وذلك لأسباب تقطع المريض عن الجواب، إما لأنه قد اسكت، أو ناله غشى، أو ما شاكل ذلك. وأيضا فقد يحتاج الطبيب فى أوقات إلى معرفة أشياء، يضطر إلى معرفتها فى علاج المريض من غير أهل المريض، وذلك كطبيب غريب دخل إلى بلد، لم يكن عنده معرفة بوضع ذلك البلد، ولا بهوائه ولا بمياهه، وأشباه هذه الأمور، فدعى إلى علاج مريض، فبغير شك أن الضرورة تدعوه إلى تعرف هذه الأشياء من أطباء البلد، وأهل الخبرة بها، إذ كان علمها لا يصح، ولا يمكنه إلا بعد زمان طويل، وتقص شاف، إذ كان من الأمراض أمراض بلدية، وأمراض وافدة، وأمراض شخصية.
ومما يضطر الطبيب إلى مساءلة من هم أبعد من أهل البلد، فى بعض الأحايين، من أصابه فى حرب سهم مثلا، أو من استأمن، أو غيرهم ممن يخبر هل سهامهم مسمومة، أم لا، فيعمل بحسب ذلك. فقد بان أن هذه المساءلة للمرضى والأصحاء، وأمثالها، واجبة، ضرورية، لنفعها فى حفظ الصحة ، وفى علاج الأمراض. ولما كانت مساءلة الطبيب لمن يتولى تدبيره وعلاجه، يجب أن تكون على ترتيب طبيعى، لأنها داخلة فى جمل أجناس المسائل الأربعة التى بعضها يتقدم بعضا بالطبع، وهى: هل الشئ موجود، أو غير موجود؟ ثم: ما الشئ الموجود؟ ثم: كيف حاله؟ ثم: لم هو؟ وبغير شك أنه من قدم أحد هذه المسائل على ما قبله، فقد جهل طريق المساءلة، وأفسد البحث. ومن ترتيب الطبيب المسائل، يعلم حذقه بما ذكرنا، وتقدمه فى صناعته.
ولما كنا معتزمين على إفراد باب للقول فى محنة الطبيب، وكان هذا القول متعلقا بذلك الباب، وجب ألا نطيل هاهنا فى الكلام فى المسائل، وكيف يتقدم بعضها بعضا بالطبع، خاصة وقد تقصينا الكلام فى المسائل، وأنواعها، وترتيبها، فى مقالة مفردة لذلك، جعلتها مدخلا إلى علم الجدل، أنت تعرف منها جميع ما تحتاج إليه من ذلك، لكن نقطع هذا الباب هاهنا، وبه نختم المقالة الأولى، ولله الحمد، والمنة.
पृष्ठ 106