وكان أوّل فارس استشهد، فبلغ أمه، فجاءت إلى رسول الله ﷺ، فقالت: يا رسول الله، أخبرني عن ابني، إن يك في الجنة لم أبك عليه ولم احزن، وإن يك غير ذلك بكيت عليه ما عشت. قال: يا أم الحارث إنها ليست الجنة، ولكن جنة في جنان؛ والحارث في الفردوس الأعلى. فرجعت وهي تضحك وتقول بخ بخ لك يا حارثة.
أفلا ترى أنه لما راض نفسه بأن قال: عزفت نفسي عن لذات الدنيا وشهواتها، فكأني أنظر إلى عرش ربي، فصارت الأمور الغائبة عنده معاينة، فعمل على الحقائق، وذهب الجهل، لأنه من نصب وتعب وعمل على المعاينة، زال الجهل عنه؛ ومن عمل على غير المعاينة، فهو في جهد عظيم، ومخاطرة عظيمة من قبل نفسه، إلا من عصم الله تعالى، لأنه كالسائر في الظلمة: أحيانًا يمشي، وأحيانًا تنهشه حية، أو تلدغه عقرب، لا يبصر أين يضع قدمه، فهذه مخاطرة.
وأما جهده ثقل نفسه، فإنما ثقل أنه لم يعاين ما ثمرة هذه الأمور؛ هو بمنزلة رجل قيل له: احمل هذه الحمولة، فثقل عليه، فهو يجد ثقلها على فؤاده،
1 / 69