فتصير جذعًا لا يثمر ولا يرجع عليك بالضرر؛ ثم لا يزال جذعًا يعترض بين عينيك، يشغلك عما سواه من الأشجار، فتشعل فيه نارًا، حتى يذهب شخصه من بين عينيك، فإذا هو قد ذهب أثره، وذهب ذكره.
وكذلك النفس: في التدبير أن تحبس عن النفس لذاتها وشهواتها، حتى تذهب ثمراتها من هذه السموم القاتلة، التي تميت قلبك في الدنيا، فتصير أعمى من العميان في الدنيا بصيرًا في دين الله جل وعلا، فتقبل على مزبلة وهي الدنيا، وإنما هي قنطرة، تداولتك أيدي أسود وأبيض وهو الليل والنهار، حتى تؤديك إلى الخالق البارئ، المثيب المعاقب، فتعظم ما صغر الله، وتكرم من أهانه الله، وتدنى من أقصاه الله، وتتعلق بمن لا بد أن تفارقه، وتعمر ما أذن في خرابه؛ فإذا ذهب ثمراتها حبست عنها الفكرة فيها، والحديث عنها، والتذكر لها، حتى تيبس، ثم لا تزال تمنية شهواتها قائمة بينك وبين ربك، تفرح بالعطاء، وترضى بما تعطى به، وتروم ما لم تعط، وترى نفسها في الأشياء؛ فهي تحجبك وتشغلك،
1 / 61