والدرهم خلقين من خلق الله تعالى كسائر الخلق مبتدعًا، ثم تنزلهما بالمنزلة التي أنزلهما الله تعالى، فبإنزاله يفضلهما، ويرى المنفعة التي فيهما من خالقهما، فحينئذ يستوي عندك حالهما، في أنهما خلقان من خلق الله تعالى، فهذا عندنا معنى قول عيسى ابن مريم ﵉.
فإذا غفلت عن النفس بعد رياضتها، فلا تأمن أن تعود إلى بعض عاداتها ما دامت الشهوات منها حية، والهوى قائمًا، ألا ترى أن النفوس إذا ترك استعمالها وتعاهدها وعتقت، كيف يأخذ البيت الأسفل من البيت الأعلى، فكلما رميت بها سهمًا أخطأ الغرض، كذلك النفس إذا تركتها حتى تقوى شهواتها، ويشتد حرها في الجوف، وتقوى ظلمة الهوى، أخذت من البيت الأعلى، وهو نور العقل ونور المعرفة ونور
الروح ونور العلم، فتحرق بنيران الشهوات، من هذه الأنوار التي في القلب بقدر قوتها؛ وإذا قويت بنيران الشهوات ضعفت الأنوار، فيظلم الهوى على اليقين، فيتولد الشك على القلب من هذه الآفات، فتغلب على القلب هذه الآفات،
1 / 58