6-ألا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة إلا وينظر فيه نظرا يطلع منه على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه. وإلا اشتغل بالأهم فاستوفاه وتطرف من البقية . فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض، ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله فإن الناس أعداء ما جهلوا .
ولا ينبغي أن يتكبر على فن من العلوم المحمودة؛ فإن العلوم على درجاتها إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى، أو معينة على السلوك نوعا من الإعانة، ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود. ومن تكبر الطالب للعلم أن يستنكف عن الاستفادة والتعلم إلا من المشهورين الكبراء، وذلك عين الحماقة؛ فإن العلم سبب النجاة والسعادة، فمن طلب مهربا من سبع ضار يفترسه لم يفرق بين أن يرشده إلى المهرب مشهور أو خامل، وضراوة سباع النار بالجهل بالله تعالى أشد ضراوة من كل سبع. فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقه إليها كائنا من كان نبيها كان أو خاملا .
فمهما تكبر المتعلم عن العلم انحرف العلم عنه وصعب عليه بعد ذلك طلبه . (¬1)
7-ينبغي للمتعلم أن يحترز في مبدء الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس سواء كان [ ما خاض فيه ] من علوم الدنيا أو علوم الآخرة؛ لأن ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه ويؤيسه عن الإدراك. بل ينبغي له أن يتقن أولا الطريقة الوحيدة المرضية عند أستاذه إذا كان أستاذه نقادا بصيرا بفنون العلم، مستقلا باختيار رأي واحد ومذهب واحد. وإن كان أستاذه إنما عادته نقل المذاهب وما فيها، ولم يعتقد رأيا فليحذر منه فإن ضلاله أكثر من إرشاده فلا يصلح الأعمى لقود العميان وإرشادهم .
¬__________
(¬1) - قيل: إن المتواضع من طلاب العلوم أكثرهم علما كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء .
पृष्ठ 3