============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف بأدب الملوك ، لأن الصوفية زهدوا عن جميع أسباب الدنيا فصاروا ملوكا، واستراحوا وطابت قلوبهم ونفوسهم ، وكيف لا يستحقون اسم الملوكئة وليس لهم همة غير الله عز وجل، قد رضوا من الدنيا بالدون فتراهم شعثا وغبرا تشهد البذاذة في ظواهرهم كأنهم مجانين وقد خولطوا، ولقد خالط القوم آمر عجيب وما هم بمجانين، فلقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة حين يقول - عليه الصلاة والسلام - : من سأل عني وسره آن ينظر إلي فلينظر إلى آشعث شاحب مشمر لم يضع لبنة على لبنة ، ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه اليوم المضمار وغذا السبق، والغاية الجنة والنار، قال : وحدثنا بذلك آبو بكر بن حصان، حدثنا ابراهيم.
وكيف لا يكونون ممدوحين وقد نزعوا ثياب الخيلاء، وقطعوا عن قلوبهم مشاغيل الدنيا وآمنوا من آفاتها وغوائلها، وخرجوا من رقها، فتعلق أهل الدنيا بالدنيا فجانبوا - (8) وباللهو والافتخار والرياسة - فمالوا عنها وتعلقوا بحقائق الأمور واشتغلوا بها، فهم لا يشتغلون إلا بالحق، ولا يخافون إلا من الحق، ولا يرجون غيره، قد استراحت نفوسهم وروحت قلوبهم ، فصاروا ملوكا في الدنيا والآخرة لأنهم أحرار عن جميع الأشياء لا يعبدون شيئا غير الله ولا يخضعون إلآ له، فالأشياء كلها لهم وهم بائنون عنها، تقبل الدنيا عليهم وهم عنها معرضون، ويخدم غيرهم الدنيا وهم مخدومون، ولقد أوحي إلى الدنيا أن : اخدمي من خدمني واستخدمي من خدمك، فهم قوم الفقر زينتهم، والصبر جلبابهم، والرضا مطيتهم، والتوكل شأنهم، والله وحده جل جلاله حسبهم. قد تأدبوا بالسنة، وقاموا في السريرة بالخدمة، لحفظ حقائق 18 الحرمة ، فصاروا ملوكا في الدارين وملوكا في المتزلين وملوكا في الجنة .
ولقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي أنه قال : إن ملوك الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤيه له لو أقسم على الله لأبره.
فهذا وصف القوم ، والملوكية تشهد على جميع حركاتهم ومن حقائق ملوكية الصوفية أنهم وافقوا الله عز وجل في بغض الدنيا، وجذبوا أنفسهم عن رقها، وبذلوا لله عز وجل المهج، فلم يحدوا في جنب الله عز وجل لأنفسهم مقدارا، وحفظوا لله عز وجل ما 24 ) يستحقون: يستحقوا ض 16) خدومون: خدومين ص 20- 21) المعجم المفهرس 134/3.
..
पृष्ठ 7