============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف منهم تعلموا ذلك ليقوموا به الألفاظ ويعرفوا به معاني الأخبار، فصاروا علما في الدين ، يأوي إليهم جميع أهل العلوم لتحقيق علومهم وتصحيح الفاظهم، ثم الباقون منهم في ريبهم يترددون وفي طغيانهم يعمهون.
فهذه سيرة جماعة أهل العلم وأحكامهم وحقائقهم وظاهرهم ، قد افترقوا في الرسوم، وكل واحد منهم قد تعلق بظاهر من العلم وغفل عن حقائقه ، ألا ترى أنهم انفردوا عن العامة بما آظهروا من العلوم ، وأشاروا إليه من الفهوم، واختصوا من بين الناس بخصوصية العلم، وكل ذلك من علامة المباينة عن العامة لتحقيق العلم وعزه وأحكامه.
ثم إلي رايهم وقذ وافقوا العامة في طعامهم ولباسهم واتباع شهواتهم وجلوسهم وكلامهم ورغبتهم وتفاخرهم وجميع أحكامهم ، بل زادوا عليهم في المعاني والأحكام، فتنعموا في الدنيا، وجمعوا المال ، وأكلوا الحرام، وكل ذلك بالرخص والتأويلات المفسرات بآرائهم، وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي أنه قال : لا تجلسوا عند كل عالم، إلا من يدعوكم من الرغبة إلى الرهبة، ومن الشك إلى اليقين، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن العداوة إلى النصيحة، فكيف لا يهلك من نظر إلى رغبته وجمع ماله وهو عالم في زعمه؟ وكيف يقبل منه علمه وهو يزهد عن الدنيا ولا يزهد هو؟ ويرغب في الآخرة ولا يرغب هو؟ وقد روي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه آته قال : يكون في آخر الزمان علماء يزهدون في الدنيا ولا يزهدون، ويرغبون في الآخرة ولا يرغبون، يقربون الأغنياء ويبعدون الفقراء، ويقبضون عند الحقراء ويبسطون عتد الكبراء: أولئك الجبارون أعداء الرحمن: 18 (9) وقد كان العلماء بخلافهم قبل ذلك : زاهدين راغيين معاملين لله عز وجل محزونين مغمومين متفكرين مشغولين آناء الليل والنهار بحقيقة رعاية العلم واستعماله، وقد روي عن الحسن أنه قال : إن الرجل كان ليطلب العلم ثم لم يلبث آن يرى ذلك في تخشعه وبصره ولسانه ويده وزهده.
ثم إني رأيت علماء العصر ونظرت إلى رسومهم وأحكامهم فرأيت ظواهرهم مخالفة للأثر ، فأول ذلك نظرت إلى لباسهم ، فكان مخالفا للسنة من طول الأكمام والذيول ورقة الثياب كأته لباس الخيلاء، وقد قال الفضيل بن عياض - رحمة الله عليه -: لكثير من علمائكم زيه آشبه بزي كسرى وقيصر.
24) للأثر: الأثرض.
... .
पृष्ठ 5