الرحى المذكورة وألقى القمح فيها مع حاشيتها مضد أن ينزل إلى القعر ويظهر ولم يلقه في وسطها فيحمله تيار الماء ولا يتمكن له ما يريد ثم دعا الغلام ولما خرج إليه أراه القمح وقال له: الرحى تصفي وأمره أن يجمع ذلك القمح من الماء والحفن فيه مخافة المتضيع فاشتغل الغلام بذلك وتمكن المذكور من القمح بالرحى فأخذ من القمح والدقيق وجعله في أوعية معدة عنده لذلك ودفن بعضها وغطي منها وأخفاها ودخل عليهما الليل فجنا من الدقيق وأكلا ولما كان من الغد وضع القمح المبلول للشمس ويطمعه في تيبيسه وطحنه وأكلا من الدقيق كذلك يومهما وليلتهما ويقصد بذلك إخفاء فعله وإتلافع وعندما وجدتهما كذلك وصف إلي ما تخيل المذكور أنه يجوز علي فتحققت مكره بالغلام وخدعة له فقبضت عليه واضطررته بنوع من الاجتهاد إلى أن جعلته يحفر موضعا ويخرج وعاء مملواءا قمحا ويزيل غطاءه ويخرج وعاء مملؤا دقيقا حتى تجمع قدر الربعين من الحمل ولم ينقص منه إلا ما أكلا وابتل خاصة.
وقد كنت أيام نظري في الحسبة قد بايت جماعة من الشهود والأمناء في رحى لعمل قيمة الدقيق فجاء الطحان وكنس الرحى وأعده للطحن ورفع القمح في الغنص وخرج عن الرحى وذهب وترك صبيا مناهزا في سنه يتصرف بالرحى ولم يزل الصبي وعريانا في تشمير له وليس بالرحى شيء غير عدل فارغ مفروش إلى جهة كان الصبي يرجع إليه ويمتد عليه إذا أراد أن يستريح وحان وقت صلاة المغرب فخرجت لتجديد الوضوء وخرج من كان معى وتركت أحد ثقاتي بالرحى ولما لم ير غير ذلك الصبي الصغير احتقره وخرج بعدي لتجديد الوضوء كذلك وعندما رأيته وقع في خاطري أنه أتى علينا والقمح بالرحى فانتبهت على تركه إياه ورجعت إلى الرحى ولم أر به ما تغير وأشعرت الحاضرين بما اتفق
1 / 23