अदब दुनिया व दीन
أدب الدنيا والدين
प्रकाशक
دار مكتبة الحياة
संस्करण संख्या
بدون طبعة
[فَصْلٌ فِي آدَاب الْعُلَمَاء]
فَصْلٌ: فَأَمَّا مَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْأَخْلَاقِ الَّتِي بِهِمْ أَلْيَقُ، وَلَهُمْ أَلْزَمُ، فَالتَّوَاضُعُ وَمُجَانَبَةُ الْعُجْبِ؛ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ عَطُوفٌ وَالْعُجْبَ مُنَفِّرٌ.
وَهُوَ بِكُلِّ أَحَدٍ قَبِيحٌ وَبِالْعُلَمَاءِ أَقْبَحُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ بِهِمْ يَقْتَدُونَ وَكَثِيرًا مَا يُدَاخِلُهُمْ الْإِعْجَابُ لِتَوَحُّدِهِمْ بِفَضِيلَةِ الْعِلْمِ. وَلَوْ أَنَّهُمْ نَظَرُوا حَقَّ النَّظَرِ وَعَمِلُوا بِمُوجِبِ الْعِلْمِ لَكَانَ التَّوَاضُعُ بِهِمْ أَوْلَى، وَمُجَانَبَةُ الْعُجْبِ بِهِمْ أَحْرَى؛ لِأَنَّ الْعُجْبَ نَقْصٌ يُنَافِي الْفَضْلَ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ الْعُجْبَ لَيَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ» . فَلَا يَفِي مَا أَدْرَكُوهُ مِنْ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ نَقْصِ الْعُجْبِ.
وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ﵄ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَلِيلُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ كَثِيرِ الْعِبَادَةِ. وَكَفَى بِالْمَرْءِ عِلْمًا إذَا عَبَدَ اللَّهَ ﷿، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا إذَا أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ» . وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁: تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ وَتَعَلَّمُوا لِلْعِلْمِ السَّكِينَةَ وَالْحِلْمَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَ وَلْيَتَوَاضَعْ لَكُمْ مَنْ تُعَلِّمُونَهُ، وَلَا تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يَقُومُ عِلْمُكُمْ بِجَهْلِكُمْ.
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنْ تَكَبَّرَ بِعِلْمِهِ وَتَرَفَّعَ وَضَعَهُ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ تَوَاضَعَ بِعِلْمِهِ رَفَعَهُ بِهِ. وَعِلَّةُ إعْجَابِهِمْ انْصِرَافُ نَظَرِهِمْ إلَى كَثْرَةِ مَنْ دُونَهُمْ مِنْ الْجُهَّالِ، وَانْصِرَافُ نَظَرِهِمْ عَمَّنْ فَوْقَهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُتَنَاهٍ فِي الْعِلْمِ إلَّا وَسَيَجِدُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ إذْ الْعِلْمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحِيطَ بِهِ بَشَرٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ﴾ [يوسف: ٧٦] . يَعْنِي فِي الْعِلْمِ: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٧٦] قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ يَعْرِفُ كُلَّ الْعِلْمِ؟ قَالَ: كُلُّ النَّاسِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا رَأَيْت مِثْلِي وَمَا أَشَاءُ أَنْ أَلْقَى رَجُلًا أَعْلَمَ مِنِّي إلَّا لَقِيتُهُ.
لَمْ يَذْكُرْ الشَّعْبِيُّ هَذَا الْقَوْلَ تَفْضِيلًا لِنَفْسِهِ فَيُسْتَقْبَحُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ تَعْظِيمًا لِلْعِلْمِ عَنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلِمَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى نَفْسِهِ بِتَقْصِيرِ مَا قَصَّرَ فِيهِ لِيَسْلَمَ مِنْ عُجْبِ مَا أَدْرَكَ مِنْهُ.
وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: إذَا عَلِمْت فَلَا تُفَكِّرْ فِي كَثْرَةِ مَنْ دُونَك مِنْ الْجُهَّالِ، وَلَكِنْ اُنْظُرْ
1 / 72