إذا خرج من بيته دعا بالدعاء الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم وهو: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزِل أو أزَلّ، أو أظلِمَ أو أظلَم، أو أجهَلَ أو يُجهل علي، عزّ جارك وجلّ ثناؤك، ولا إله غيرك) . ثم يقول: (بسم الله وبالله، حسبي الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ثبت جناني وادر الحق على لساني)، ويديم ذكر اللهّ تعالى إلى أن يصل إلى مجلس التدريس. فإذا وصل إليه سلم على من حضر وصلى ركعتين، أن لم يكن وقت كراهة، فإن كان مسجدًا تأكدت مطلقًا، ثم يدعو الله تعالى بالتوفيق والإعانة والعصمة، ويجلس مستقبلًا القبلة لحديث أكرم المجالس ما استقبل القبلة. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر مرفوعًا والطبراني في الكبير عن ابن عباس نحوه مرفوعًا، ويكون بسكينة، ووقار، وتواضع، وخشوع، متربعًا، أو غير ذلك مما لا يكره من الجلسات، ولا يجلس مقعيًا، ولا مستفزًا، ولا رافعًا إحدى رجليه على الأخرى، ولا مادًا رجليه أو إحداهما من غير عذر، ولا متكئًا على يديه إلى جنبه أو وراء ظهره، وليصن بدنه عن الزحف، والتنقل عن مكانه، ويديه عن العبث والتشبيك بهما، وعينيه عن تفريق النظر من غير حاجة، ويتقي المزاح وكثرة الضحك، فإنه يقلل الهيبة، ويسقط الحشمة، كما قيل من مزح استخف به، ومن أكثر من شيء عرف به. ولا يدرس في وقت جوعه، أو عطشه، أو همه، أو غضبه، أو نعاسه، أو قلقه، ولا في حال برده المؤلم، أو حره المزعج، فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب، ولأنه لا يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر.
الثالث:
أن يجلس بارزًا لجميع الحاضرين موقرًا فاضلهم بالعلم والسن، والصلاح والشرف. وترفعهم على حسب تقدمهم، في الإمامة، ويتلطف بالباقين، ويكرمهم بحسن السلام، وطلاقة الوجه ومزيد الاحترام، ولا يكره القيام لأكابر أهل الإسلام على سبيل الإكرام، وقد ورد إكرام العلماء وطلبة العلم في نصوص كثيرة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتًا قسطًا بحسب الحاجة، ويخص من يكلمه أو يسأله، أو يبحث معه على الوجه عند ذلك بمزيد التفات إليه وإقبال عليه، وإن كان صغيرًا وضعيفًا، فإن ترك ذلك من أفعال المتجبرين المتكبرين.
الرابع:
أن يقدم على الشروع في البحث والتدريس قراءة شيء من كتأب الله تعالى تبركًا وتيمنًا، وكما هي العادة، فإن كان في مدرسة شرط فيها ذلك أتبع الشرط ويدعو عقيب القراءة لنفسه، وللحاضرين، وسائر المسلمين، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمى الله تعالى ويحمده، ويصلي على النبي صلى الله عليه وعلى اله وسلم، ويترضى عن أئمة المسلمين ومشايخه، ويدعو لنفسه وللحاضرين ووالديهم أجمعين. وهو واقف مكانه إن كان في مدرسة أو نحوها جزاء لحسن فعله وتحصيلًا لقصده.
الخامس:
إذا تعددت الدروس قدم الأشرف فالأشرف، والأهم فالأهم: فيقدم تفسير القرآن، ثم الحديث، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم المذهب، ثم الخلاف، أو النحو أو الجدل، ويصل في درسه ما ينبغي وصله، ويقف في مواضع الوقف، ومنقطع الكلام. ولا يذكر شبهة في الدين في درس ويؤخر الجواب عنها إلى درس آخر، بل يذكرهما جميعًا أو يدعهما جميعًا. وينبغي أن لا يطيل الدرس تطويلًا يمل ولا يقصر تقصيرًا يخل، ويراعي في ذلك مصلحة الحاضرين، ولا يبحث في مقام أو يتكلم في فائدة إلا في موضع ذلك، فلا يقدمه عليه ولا يؤخره إلا لمصلحة تقتضي ذلك وترجحه.
السادس:
أن لا يرفع صوته زائدًا على قدر الحاجة، ولا يخفضه خفضًا لا يحصل معه كمال الفائدة. روى الخطيب في الجامع عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: أن الله يحب الصوت الخفيض، ويبغض الصوت الرفيع، والأولى أن لا يجاوز صوته مجلسه، ولا يقصر عن سماع الحاضرين، فإن حضر فيهم ثقيل السمع فلا بأس بعلو صوته بقدر ما يسمع، ولا يسرد الكلام سردًا بل يرتله ويرتبه ويتمهل فيه ليفكر فيه هو وسامعه. وقد روي أن كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان فصلًا يفهمه من سمعه، وإن كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا ليفهم عنه، وإذا فرغ من مسالة، أو فصل، سكت قليلًا حتى يتكلم من في نفسه كلام عليه، لأنا سنذكر أن شاء الله في أدب المتعلم أنه لا يقطع على العالم كلامه، فإذا لم يسكت هذه ربما فاتت الفائدة.
السابع:
1 / 7