وخامل مقرف الآباء ذي أدب ... نال المعالي بالآداب والرتبا
أمسى عزيزًا عظيم الشان مشتهرًا ... في خده صعر قد ظل محتجبا
العلم كنز وذخر لا نفاد له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا
قد يجمع المرء مالًا ثم يحرمه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا
وجامع اسم مغبوط به أبدًا ... ولا يحاذر منه الفوت والعطبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به درًا ولا ذهبا
وروى الخطيب البغدادي عن أحمد بن عبد الجليل، أنه قال من قصيدة له:
لا يكون السري مثل الدني ... لا ولا ذو الذكاء مثل الغبي
قيمة المرء كلما أحسن المر ... ء قضاء من الإمام علي
الخامس: سلوك طريق سلفهم في التواضع والحلم والصبر على الأذى ذاكرين قوله تعالى: (وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) وما كان عليه نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وغيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من الصبر على الأذى، وما كانوا يتحملونه في الله تعالى حتى كانت لهم العقبى. فينبغي لأهل البيت النبوي اتباع سلفهم في اقتفاء آثارهم والاهتداء بهديهم وأنوارهم والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم وزهدهم وورعهم وتحققهم لمعرفة ربهم ﷿، فإنهم أولى الناس بذلك. وقد أخرجِ الدولابي وابن عبد البر إن معاوية قال لضرار الصدائي: صف لي عليأَ، فقال: اعفني. قال: لتصفنه لي، قال: أما إذا لا بد من وصفه؛ كان والله بعيد المدى شديد القوى يقول فصلًا ويحكم عدلًا، يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس إلى الليل ووحشته، وكان عزيز العبرة طويل الفكرة يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا يجيبنا إذا سألناه، ويبينا إذا استبناه ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا، لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظُم أهل الدين ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه، قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غرُي غيري، إلي تعرضت أو إليَّ تشوقت؛ هيهات قد باينتك ثلاثًا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك كثير.. آه آه من قلة الزاد، وبعد السفر، ووحشة الطريق، فبكى معاوية، وقال: رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك، انتهى.
وتواضعه وورعه وزهده أشهر من إن يذكر حتى قال ﵁: لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها وعن محمد ابن علي ﵉ قال: قال الحسن ﵇: إني لأستحيي من ربي إن ألقاه ولم أمشِ إلى بيته. فمشى عشرين مرة من المدينة على رجليه. وعن علي بن زيد قال: حج الحسن ﵇ خمس عشرة حجة ماشيًا، وإن النجائب لتقاد معه، وخرج من ماله مرتين وقاسم الله ماله ثلاث مرات. أخرجها في الصفوة، وعن مصعب بن الزبير قال: حج الحسين بن علي ﵉ خمسًا وعشرين حجة ماشيًا أخرجه أبن عبد البر والبغوي في معجمه. ويروى أنه قيل للحسين ﵇ إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلي من الغنى، والسقم أحب إلي من العافية، فقال رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من أتكل على حسن اختيار الله له، لم يتمن أنه في غير الحالة التي اختارها الله له. وأخرج ابن الأخضر في معالم العترة الطاهرة عن عبد الله بن أبي سليمان قال: كان علي بن الحسين ﵉ إذا مشى لا تجاوز يده فخذه ولا يخطر بيده، وكان إذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة فيقال له: مالك؟ فيقول: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أناجي. وعن موسى بن طريف قال: استطال رجل على علي بن الحسين فتغافل عنه، فقال له الرجل: إياك أعني، فقال له علي بن الحسين ﵁: وعنك أغضي.
1 / 28