الثاني: تطهير القلب من كل دنس، وغل، وحسد، وخلق ذميم، وسوء عقيدة، فإنها من خبايات القلب، قال الله تعالى: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) . وأيضًا فبذلك يحصل التهيؤ لقبول العلم وحفظه والاطلاع على دقائقه وغوامض حقائقه. وقد سبق في آداب المتعلم إن بعضهم قال: العلم صلاة السر وعبادة القلب وقربة الباطن، وكما لا تصلح الصلاة التي هي عبادة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الظاهر من الحدث والخبث، فكذلك لا يصلح العلم الذي هو عبادة القلب إلا بطهارته عن خبيث الصفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها، وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا، ثم لا بد من حسن النية في طلب العلم، بأن يقصد به امتثال أمر الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأحيا شريعته والدخول في سلسلة العلم المنتهية إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، محققًا بذلك حصول النسبتين، وإن يعد في جملة مبلغي وحي الله وأحكامه وتنوير قلبه، إلى غير ذلك مما أسلفناه مع سائر ما تضمنه من آداب العالم والمتعلم، فعليك بتدبره وتذكره باعتبار الصدق والإخلاص، فقد قال الجنيد ﵀: ما طلب أحد شيئًا بجد وصدق إلا ناله، فإن لم ينله كله، نال بعضه. وانشد أبو يعلي الموصلي:
أصبر على مضض الادلاج بالسحر ... وبالرواح على الحاجات والكبر
لا تعجزن ولا يضجرك مطلبها ... فالنجح يتلف بين العجز والضجر
إني رأيت وفي الأيام تجربة ... للصبر عاقبة محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر
وإياك إن تقصد بالعلم الأغراض الدنيوية من تحصيل الرئاسة والجاه والمال، والتصدر في المجالس فيحبط عملك ويكشف نور علمك ويضيع تعبك، وتكون ممن لم ينفعه الله بعلمه، وقد استعاذ النبي ﵌، من علم لا ينفع والتوسل بالعلم الذي هو أعظم العبادات إليها من أعظم الصوارف عنها.
الثالث: اجتناب كل ما يستقبح شرعًا فإن القبيح من أهل هذا البيت أقبح منه من غجرهم، ولهذا قال العباس ﵁ لأبنه عبد الله، كما في تاريخ دمشق: يا بني إن الكذب ليس بأحد من هذه الأمة أقبح منه بي وبك وبأهل بيتك، يا بني لا تكونن بشيء مما خلق الله أحب إليك من طاعته ولا أكره إليك من معصيته، فإن الله ﷿ ينفعك بذلك في الدنيا والآخرة. وقال علي بن أبي طالب ﵇: لن يستكمل المرء حقيقة الإِيمان حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه، وقال: من لزم الاستقامة لزمته السلامة، وجماع ذلك كله ما جاء من إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته.
وقال الحسن المثنى ﵇: وإني أخاف إن يضاعف للعاصي.
منا العذاب ضعفين، ووالله إني لأرجو إن يؤتى المحسن أجره منا مرتين. وقد أخرج الخطيب البغدادي في الجامع عن جابر بن عبد الله: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله يحب معاني الأخلاق ويكره سفاسفها. واخرج أيضًا عن الحسين بن علي ﵄ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إن الله يحب معاني الأخلاق وأشرفها ويكره سفاسفها. وأخرج أيضًا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق، وأولى الخلق بذلك أهل البيت النبوي، لمضاهاة ذلك تكريم محتدهم وتشريف نسبهم ولتكون حشمتهم في النفوس موفورة وحرمة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيهم محفوظة، حتى لا ينطق بذمهم لسان ولا يشنؤهم إنسان، وأولى الناس مروءة من كانت له نبوة النبوءة.
1 / 26