ونضرب لذلك مثلًا بفرعين:
الفرع الأول: تحويل الرداء في الاستسقاء، الجمهور أنه فعل تشريعي. وعن أبي حنيفة وبعض المالكية: لا يستحب من ذلك شيء (١).
الفرع الثاني: وضع اليدين على الصدر في الصلاة، لا تقتضيه الجبلة، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه فعله. قال الجمهور باستحبابه. وهو الذي ذكره مالك في الموطأ. وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، ومنهم من كره الإمساك (٢).
والأفعال الجبلية على ضربين:
الضرب الأول:
فعل يقع منه ﷺ اضطرارًا دون قصد منه لإيقاعه مطلقًا، وذلك كما نقل أنه كان إذا سُرَّ استنار وجهه كأنه قطعة قمر (٣)، وإذا كره شيئًا رؤي في وجهه (٤)، وكتألمه من جرح يصيبه، أو حصول طعم الحلو والحامض في فمه من طعام يأكله، وما يدور في نفسه من حبٍّ وكراهة لأشخاص أو أشياء، مما لا سيطرة له على منعه أو إيجاده، ككراهيته أكل لحم الضب، وكراهيته قاتل حمزة.
ومثل هذا أيضًا ما يفعله في حالات اللاّوعي، كما يقع منه من الحركات وانتقال الأعضاء في منامه، أو غفلته، أو نحو ذلك.
فهذا النوع لا حكم له شرعًا، لوقوعه دون قصد منه ﷺ، وهو لذلك خارج عن نطاق التكليف، ومن أجل ذلك لا يستفاد منه حكم، ولا يتعلق به أمر باقتداء ولا نهي عن مخالفة.
ومما يستأنس به لصحة هذه القاعدة ما ورد أن النبي ﷺ كان يقسم بين نسائه فيعدل، ويقول: "اللهم هذا قسمي في ما أملك، فلا تلمني في ما تملك ولا
(١) فتح الباري، مصطفى الحلبي ٣/ ١٥٢
(٢) ابن حجر: فتح الباري ٢/ ٢٢٤
(٣) متفق عليه (الفتح الكبير).
(٤) الطبراني في الأوسط (الفتح الكبير).