अचमल कामिला
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
शैलियों
وقولهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها } ... إلخ، إنما صدر منهم على # وجه استطلاع الحكمة في خلق نوع من الكائنات يصدر منها الإفساد في الأرض وسفك الدماء. وقطعهم بحكمة الله في كل ما يفعل لا ينافي تعجبهم من بعض أفعاله؛ لأن التعجب يصدر عن خفاء سبب الفعل، فمن تعجب من فعل شيء، وأحب الاطلاع على الحكمة الباعثة على فعله، لا يعد منكرا له في حال.
{قال إني أعلم ما لا تعلمون}:
قلنا: إن قول الملائكة: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء} لم يكن صادرا عن إنكار، وإنما هو استكشاف عن الحكمة. ولما كانت مكانتهم من طاعة الله، ويقينهم بأن أفعاله تعالى لا تصدر إلا عن حكمة يقتضيان أن يتلقوا ما أعلمهم الله به من جعل خليفة في الأرض بتسليم تام، ويتمهلوا إلى أن يطلعهم الله على الحكمة من خلق آدم بوجه من وجوه العلم، كانت مبادرتهم لسؤاله تعالى عن الحكمة غير واقعة الموقع اللائق بكمال أدب العارفين به، المقربين من حضرته، واقتضى هذا أن يجيبهم بجواب يذكرهم فيه بالأمر الذي شأنه أن يقف بهم في حدود الأدب اللائق بمقام الإلهية، وهو أنه تعالى عالم بما لا يحيط به علم أحد من خلقه، فله أن يفعل ما يشاء، ويأمر يما يشاء، وليس من أدب المؤمنين بأنه العليم الحكيم أن يسألوه - حين يأمرهم بشيء، أو يعلمهم بأنه سيفعل شيئا - عن حكمة ما أمر به، أو ما سيفعله، بل شأنهم أن يتجهوا إلى استطلاع حكمة الأفعال والأوامر من أنفسهم، فإذا أدركوها، فقد ظفروا بأمنيتهم، وإن وقفت عقولهم دونها؛ ففي تسليمهم لقدر الله، وامتثالهم لأوامره الكفاية في القيام بحق التكليف، والفوز برضا الله الذي هو الغاية من الإيمان به، والإقبال على طاعته.
पृष्ठ 62