والبرودة على ارضيهم فاسترخت لذلك اجساد اهليها وغلظت وصارت شعورهم سبطة والوانهم بيضا حمرا وغلب على طباعهم البرد وذلك لبرد اهويتهم فان المزاج البارد يولد لحما كثيرا واما حمرة الوانهم فان البرد يجمع الحرارة ويظهرها حتى ترى ويستدل (a) على ذلك بما يرى فى القوم الذين لابدانهم لحم كثير والوانهم بيض اذا اصابهم البرد احمر وجوههم وشفاههم واصابعهم وارجلهم لان الحر والدم الذى يكون فيه منتشرا يجمعه البرد ومن اخلاق اهل هذه الناحية الجفاء وقطيعة الرحم وقلة اليقين، فاما السودان والحبش فانهم يسكنون فى البلاد التى تحاذيها (b) من البروج ما بين مدار الحمل الى السرطان ولان الشمس فى هبوطها وصعودها اذا كانت فى تلك البروج وتوسط السماء تكون على سمت رؤوسهم فتسخن اهويتهم وتحرقهم وتكثر الحرارة واليبس فيهم فلهذه العلة صارت الوانهم سودا وشعورهم قططة (c) وابدانهم يابسة نحيفة وطباعهم حارة وكذلك دوابهم واشجارهم ومن اخلاق اهل هذه الناحية الجفاء والذكاء،
واما القوم الذين هم متباعدون عن مدار رأس السرطان الى الشمال وذلك مثل بابل ونحوه من البلدان فان الشمس لا تبعد من سمت رؤوسهم ولا تقرب منهم ولكن ممرها معتدل عليهم فان هواءهم حسن فى التمزيج وموضعهم معتدل ليس فيه حر شديد ولا برد شديد والوانهم وابدانهم وطبائعهم معتدلة وعقولهم واخلاقهم حسنة وقد كثر فيهم العلم والذكاء وتقدمة المعرفة بالاشياء ومحاسن الاخلاق وهى ارض العلماء والنبيين، فالاجسام والصور والالوان والعلوم والاخلاق متباينة متباعدة الشبه لاختلاف مواضعهم من مدار الشمس ولاختلاف ازمان السنة وتغييرها عليهم، وكما اختلف هذه المواضع التى ذكرناها وصار لكل موضع منها خاصية ليست لغيرها فكذلك كل مدينة من المدن وكل موضع من المواضع التى لم نذكرها لها ولاهلها خاصية وطبيعة فى
पृष्ठ 102