ولعلي أن أكون قد خرجت عن حد الصواب، فيما ألفته؛ وتركت من فصل الخطاب، أضعاف ما عرفته. وإنما ذلك من عوائق تبلد الذهن، وموانع للنشاط توقع في الفكر الصحيح الوهن. ولم لا؟ والدهر قد جار بالبعد عن الأهل والجار، وتبدد شمل الألفة بالأحباب، ومنع الحياة في القرب منهم والأسباب. والخروج عن الأوطان؛ والربط من عدوانه بأشطان.
فأي صواب يوجد مع هذه المحن، وأي فصل خطاب معها بما جرت من الإحن. وايم الله لولا لهجي بالأدب، وكلفي بمن جد في طلبه ودأب، لم أسارع في تأليف كتاب، بل لكنت ممن عن وضعه تاب؛ لهذه المصائب التي غدا سهمها صائب (١). فمن تصفح كتابي هذا، ووقع على خلل في تركيبه، أو عذلني في تبويبه (٢):
[٤/أ] فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
ومع ذلك فلم أخل أن جمعت ما تستملح، وأحسن شيء في فنه العيون تستلمح (٣). وجئت ببيان السحر ولبابه. وبدائع تنسي عهد الصبا وحسن شبابه.
بدائع جلّت عن مثال لأنها ... -لعمرك- إسماعيل ألّف حسنها!
فجئت بمجموع قد أشرقت أسرّة براعته الفائقة؛ وهبّ عطر نواسم جودته الرائقة. قل ما يسمح الزمان بمثاله، أو ينسج على منواله. لم تقدر على الإتيان بمثله أيدي المصنفين، ولا شنفت آذان إبداعه أنامل المشنفين!
_________
(١) كذا في الأصلين، مراعاة للسجع.
(٢) في الأصلين نحو سطرين، طمسا في نسخة م بورق لاصق محا الأصل، وبتآكل نسخة (ط) تآكلا شديدا.
(٣) فيهما: في فنه العيون تستملح.
1 / 28