وفّق الله هذا الإمام لرفض غير الضروري منها انصبّت عليه العواطف الإلهية، فحصل بها كلَّ فضيلة جليلة، بخلاف غيره من علماء الدنيا، مختاريها وطالبيها والساعين لتحصيلها، فإنهم لمّا اختاروا ملاذّها وزينتها ورياستها= انسدّت عليهم غالبًا طُرُق الرشاد، فوقعوا في شَرَكها يخبطون خبط عشواء، ويحطبونها كحاطب ليل، لا يُبالون ما يأكلون ولا ما يلبسون ولا ما يتأولون (^١) إلا ما يُحصّل لهم أغراضَهم الدنيئة، ومقاصدهم الخبيثة الخسيسة، فهم متعاضدون على طلبها، متحاسدون بسببها، أجسامهم ميتة، وقلوبهم من غيرها فارغة، وظواهرهم مزخرفة معمورة، وقلوبهم خربة مأبورة.
ولم يكفهم ما هم عليه حتى أصبحوا قالين رافضها، معادين باغضها، ولمّا رأوا هذا الإمام عالم الآخرة، تاركًا ما هم عليه من تحصيل الحطام من المشتبه الحرام، رافضًا الفضل المباح فضلًا عن الحرام، تحقّقوا أنّ أحواله تفضح أحوالهم، وتوضح خفيّ انفعالهم، وأخذتهم الغيرة النفسانية على صفاتهم الشيطانية، المباينة لصفاته الروحانية، فحرصوا على الفتك به أين ما وَجدوا، وأُنْسوا أنهم ثعالب وهو أسد. فحماه الله تعالى منهم بحراسته، وصنع له غير مرّة كما صنع لخاصّته، وحفظه مُدّة حياته وحماه، ونشر له عند وفاته علمًا في الأقطار بما والاه.
_________
(^١) كذا في (ط، ك)، ولعلها: «يتناولون».
1 / 764