فابتسم القروي وقال: إن الصنيع لا يحفظه عادة غير أمثالنا الفقراء، وفوق ذلك فإنه ليس من أهل الكرم.
قال: إنه لم يكن كذلك من قبل.
ولبثا يتباحثان مباحثات مختلفة إلى أن سمعا نباح كلاب الصيد، فقال القروي: لقد عاد البارون، فهلم أدلك على طريق القصر.
وخرج الاثنان فسارا بين الحقول الخضراء، وكان الغريب يتنهد ويقول: ما أسعد من يكون له مثل هذه المزارع! والقروي يشرح له عن الزرع إلى أن ظهر لهما قصر فخيم يشبه الحصون المنيعة، وله أربعة أبراج شاهقة. فقال له القروي: هذا قصر البارون، وهو لا يذكر في جانب أملاكه العظيمة، وهذا هو نهر يون الفاصل بين أملاكه وقرية سانت مرتين التي تبعد ثلاث مراحل من هنا.
قال: ما هذه القرية؟
أجاب: هي التي كان فيها القصر المحروق، وهي بأراضيها من أملاك أسرة دي نيفيل. - أهي للبارون أيضا؟! - كلا، بل هي لأرملة أخيه، وستؤول إليه بعد موتها. - ألا تزال في قيد الحياة؟ - نعم، ولكنها مجنونة، ولكن أهالي القرية باتوا مجمعين على أن حكايتها أكيدة ... - حكاية الكونتيس؟
أجاب: نعم.
قال: وما حكايتها؟ - إنها تهذي وتقول: إن البستاني الذي كان عندها سرق طفلها، ووضع بدلا منه طفله الميت، فحسبت أن ولدها ميت وهو في الحقيقة من الأحياء، على أنك إذا كنت محتاجا إلى البارون فنصيحتي إليك أن لا تذكر له كلمة عن هذه الحكاية، والآن أستودعك الله! فهذا هو القصر.
وقد تركه وانصرف. فذهب الغريب إلى القصر، وقال لأحد الخدم إنه يريد مقابلة البارون، فأدخله إحدى القاعات، وبعد هنيهة أقبل البارون، فخف الرجل لاستقباله، ووقف البارون ينظر إليه نظرة الفاحص؛ لأنه لم يعرفه، أو أنه تجاهله، وقال له: من أنت؟
وقد كبر ذلك على الرجل، فقال له: ألم تعرفني أيها البارون؟ ولعلي تغيرت إلى هذا الحد؟
अज्ञात पृष्ठ