अबू शुहदा हुसैन इब्न अली
أبو الشهداء الحسين بن علي
शैलियों
وكان الذين عدلوا إلى عسكر الحسين أشد أنصاره عزمة في القتال وهجمة على الموت، ومنهم الحر بن يزيد الذي تقدم ذكره. فجاهد ما استطاع ليقنع أصحابه الأولين بالكف عن حرب الحسين أو بالعدول إلى صفه، وقام على فرسه يخطب أهل الكوفة ويزجرهم، فسكتوا هنيهة ثم رشقوه بالنبل فعقروا فرسه وجرحوه، فما زال يطلب الموت ويتحرى من صفوفهم أكثفها جمعا وأقتلها نبلا حتى سقط مثخنا بالجراح وهو ينادي الحسين: «السلام عليكم يا أبا عبد الله.»
ولم يكن من أصحاب الحسين إلا من يطلب الموت، ويتحرى مواقعه وأهدافه، فكان نافع بن هلال البجلي يكتب اسمه على أفواق نبله ويرسلها فيقتل بها ويجرح، وقلما يخطئ مرماه. فأحاطوا به وضربوه على ذراعيه حتى كسرتا، ثم أسروه والدم يسيل من وجهه ويديه، فحسبوه يلين للوعيد ويجزع من التمثيل به، فأسمعهم ما يكرهون، وراح يستزيد غيظهم ويقول لهم: «لقد قتلت منكم اثني عشر رجلا سوى من جرحت، ولو بقيت لي عضد وساعد لزدت.»
مصرع الحسين
واستهدف الحسين - رضي الله عنه - لأقواس القوم وسيوفهم، فجعل أنصاره يحمونه بأنفسهم، ولا يقاتلون إلا بين يديه. وكلما سقط منهم صريع، أسرع إلى مكانه من يخلفه؛ ليلقى حتفه على أثره.
فضاقت الفئة الكثيرة بالفئة القليلة، وسول لهم الضيق بما يعانون من ثباتها أن يقوضوا الأخبية التي أوى إليها النساء والأطفال؛ ليحيطوا بالعسكر القليل من جميع جهاته. ثم أخذوا في إحراقها، وأصحاب الحسين يصدونهم ويدافعونهم، فرأى رضي الله عنه أن اشتغال أصحابه بمنعهم يصرفهم عن الاشتغال بقتالهم، فقال لهم: دعوهم يحرقونها؛ فإنهم إذا أحرقوها لا يستطيعون أن يجوزوا إليكم منها.
وظل على حضور ذهنه وثبات جأشه في تلك المحنة المتراكبة التي تعصف بالصبر وتطيش بالألباب، وهو جهد عظيم لا تحتويه طاقة اللحم والدم، ولا ينهض به إلا أولو العزم من أندر من يلد آدم وحواء. فإنه - رضي الله عنه - كان يقاسي جهد العطش والجوع والسهر ونزف الجراح ومتابعة القتال، ويلقي باله إلى حركات القوم ومكائدهم، ويدبر لرهطه ما يحبطون به تلك الحركات ويتقون به تلك المكائد، ثم هو يحمل بلاءه وبلاءهم، ويتكاثر عليه وقر الأسى لحظة بعد لحظة كلما فجع بشهيد من شهدائهم. ولا يزال كلما أصيب عزيز من أولئك الأعزاء حمله إلى جانب إخوانه وفيهم رمق ينازعهم وينازعونه، وينسون في حشرجة الصدور ما هم فيه؛ فيطلبون الماء، ويحز طلبهم في قلبه كلما أعياه الجواب، ويرجع إلى ذخيرة بأسه فيستمد من هذه الآلام الكاوية عزما يناهض به الموت ويعرض به عن الحياة، ويقول في أثر كل صريع: «لا خير في العيش من بعدك.» ويهدف صدره لكل ما يلقاه.
وإنه لفي هذا كله، وبعضه يهد الكواهل ويقصم الأصلاب، إذا بالرماح والسيوف تنوشه من كل جانب، وإذا بالقتل يتعدى الرجال المقاتلين إلى الأطفال والصبيان من عترته وآل بيته، وسقط كل من معه واحدا بعد واحد فلم يبق حوله غير ثلاثة يناضلون دونه ويتلقون الضرب عنه، وهو يسبقهم ويأذن لمن شاء منهم أن ينجو بنفسه وقد دنت الخاتمة ووضح المصير.
وكان غلام من آل الحسين - هو عبد الله بن الحسن أخيه - ينظر من الأخبية، فرأى رجلا يضرب عمه بالسيف ليصيبه حين أخطأ زميله، فهرول الغلام إلى عمه، وصاح في براءة بالرجل: يا ابن الخبيثة! أتقتل عمي؟
فتعمده الرجل بالسيف يريد قتله، فتلقى الغلام ضربته بيده فانقطعت وتعلقت بجلدها، فاعتنقه عمه، وجعل يواسيه وهو مشغول بدفاع من يليه.
ثم سقط الثلاثة الذين بقوا معه، فانفرد وحده بقتال تلك الزحوف المطبقة عليه، وكان يحمل على الذين عن يمينه فيتفرقون، ويشد على الخيل راجلا ويشق الصفوف وحيدا، ويهابه القريبون فيبتعدون، ويهم المتقدمون بالإجهاز عليه ثم ينكصون؛ لأنهم تحرجوا من قتله، وأحب كل منهم أن يكفيه غيره مغبة وزره، فغضب شمر بن ذي الجوشن وأمر الرماة أن يرشقوه بالنبل من بعيد، وصاح بمن حوله: ويحكم! ماذا تنتظرون بالرجل؟ اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم.
अज्ञात पृष्ठ