अबू शुहदा हुसैन इब्न अली
أبو الشهداء الحسين بن علي
शैलियों
مآثم مخزية
فمن هذه المآثم المخزية أن الحسين برح به العطش فلم يباله، ولكنه رأى ولده عبد الله يتلوى من ألمه وعطشة، وقد بح صوته من البكاء، فحمله على يده يهم أن يسقيه، ويقول للقوم: «اتقوا الله في الطفل إن لم تتقوا الله فينا.» فأوتر رجل من نبالة الكوفة قوسه، ورمى الطفل بسهم وهو يصيح ليسمعه العسكران: «خذ اسقه هذا.» فنفذ السهم إلى أحشائه!
وكانوا يصيحون بالحسين متهاتفين: «ألا ترى إلى الفرات كأنه بطون الحيات؟! والله لا تذوقه حتى تموت ومن معك عطشا.»
ولما اشتد عطش الحسين دنا من الفرات ليشرب، فرماه حصين بن نمير بسهم وقع في فمه، فانتزعه الحسين وجعل يتلقى الدم بيديه فامتلأت راحتاه بالدم، فرمى به إلى السماء وقد شخص ببصره إليها وهو يقول: «إن تكن حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير منه، وانتقم لنا من القوم الظالمين!»
وقد كان منع الماء - قبل الترامي بالسهام - نذيرا كافيا بالحرب، يبيح الحسين أن يصيب منهم من يتعرض للإصابة، ولكنه رأى شمر بن ذي الجوشن - أبغض مبغضيه المؤلبين عليه - يدنو من بيوته، ويجول حولها؛ ليعرف منفذ الهجوم عليها، فأبى على صاحبه السلم بن عوسجة أن يرميه بسهم، وقد أمكنه أن يصميه، وهو من أسد الرماة؛ لأنه كره أن يبدأهم بعداء. •••
وكأنه لمح منهم ضعف النية وسوء الدخلة في الدفاع عن مولاهم، وعلم أنهم لا يخلصون في حبه، ولا يؤمنون بحقه، وأنهم يخدمونه للرغبة أو الرهبة ولا يخدمونه للحق والذمة؛ فطمع أن يقرع ضمائرهم وينبه غفلة قلوبهم، ورمى بآخر سهم من سهام الدعوة قبل أن يرمي بسهم واحد من سهام القتال، فخرج لهم يوما بزي جده - عليه السلام - متقلدا سيفه لابسا عمامته ورداءه، وأراهم أنه سيخطبهم، فكان أول ما صنعوه دليلا على صدق فراسته فيهم؛ لأن رؤساءهم ومؤلبيهم أشفقوا أن يتركوا له آذان القوم فينفذ إلى قلوبهم ويلمس مواقع الإقناع من ألبابهم، فضجوا بالصياح والجلبة، وأكثروا من العجيج والحركة؛ ليحجبوا كلامه عن أسماعهم، ويتقوا أثر موعظته فيهم، وهو بتلك الهيئة التي تغضي عنها الأبصار، وتعنو لها الجباه.
ولكنه صابرهم حتى ملوا، ومل إخوانهم ضجيجهم هذا الذي يكشفون به عن عجزهم وخوفهم، ولا يوجب الثقة بدعواهم عند إخوانهم، فهدأوا بعد لحظات وسمعوه بعد الحمد والصلاة : «انسبوني من أنا! هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن بنت نبيكم؟ أولم يبلغكم ما قاله رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ ويحكم! أتطلبونني بقتيل لكم قتلته أو مال لكم استهلكته؟»
ثم نادى بأسماء أنصاره الذين استدعوه إلى الكوفة ثم خرجوا لحربه في جيش ابن زياد. فقال: «يا شيث بن الربعي! يا حجار بن أبحر! يا قيس بن الأشعث! يا يزيد بن الحارث! يا عمر بن الحجاج! ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضرت الجنبات، وإنما تقدم على جند لك مجند؟»
فزلزلت الأرض تحت أقدامهم بهذه الكلمات، وبلغ بها المقنع ممن فيه مطمع لإقناع، وتحولت إلى صفه فئة منهم تعلم أنها تتحول إلى صف لن تجد فيه غير الموت العاجل، واستطابت هذا الموت، ولم تستطب البقاء مع ابن زياد لاغتنام الغنيمة وانتظار الجزاء من المناصب والأموال. •••
ولم تكن كلمة الحسين كل ما شهره عسكره من سلاح الدعوة قبل الاحتكام إلى السيف؛ فقد كانت للبطل المجيد زهير بن القين كلمات في أهل الكوفة أمضى من السيوف والرماح حيث تصيب، فركب فرسه وتعرض لهم قائلا: «يا أهل الكوفة! نذار لكم من عذاب الله نذار. إن حقا على المسلم نصيحة المسلم، ونحن حتى الآن إخوة على دين واحد ما لم يقع بيننا وبينكم السيف، فإذا وقع السيف انقطعت العصمة، وكنا نحن أمة وأنتم أمة. إن الله قد ابتلانا وإياكم بذرية نبيه محمد
अज्ञात पृष्ठ