«كان ابن سيرين، وإبراهيم النخعي، وطاووس وغير واحد من التابعين يذهبون إلى ألا يقبلوا الحديث إلا عن ثقة، يعرف ما يروي ويحفظ، وما رأيت أحدا من أهل الحديث يخالف هذا المذهب» (1).
لهذا اعتنى - رضي الله عنهم - بمعرفة أحوال الرواة وبلدانهم وسماعاتهم، وسألوا عنهم، وتكلموا في الجرح والتعديل، قال السخاوي: «وأما المتكلمون في الرجال فخلق من نجوم الهدى، ومصابيح الظلام المستضاء بهم في دفع الردى، لا يتهيأ حصرهم في زمن الصحابة، سرد ابن عدي في مقدمة كاملة خلقا إلى زمنه (277 - 365 ه)، فالصحابة الذين أوردهم: عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن سلام، وعبادة بن الصامت، وأنس، وعائشة، - رضي الله عنهم - .. وسرد من التابعين عددا كالشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن المسيب، وابن جبير، ولكنهم فيهم قليل بالنسبة لمن بعدهم لقلة الضعف في متبوعهم، إذ أكثرهم صحابة عدول، وغير الصحابة من المتبوعين أكثرهم ثقات، ولا يكاد يوجد في القرن الأول الذي انقرض فيه الصحابة وكبار التابعين ضعيف إلا الواحد بعد الواحد، كالحارث الأعور والمختار الكذب» (2). وكان - رضي الله عنهم - يبينون أحوال الرواة وينقدونهم ويعدلونهم حسبة لله، لا تأخذهم خشية أحد ولا تتملكهم عاطفة، فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده، سئل زيد بن أبي أنيسة عن أخيه فقال: «لا تأخذوا عن أخي» (3)، وسئل علي بن المديني عن أبيه فقال: «سلوا عنه غيري»، فأعادوا المسألة، فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: «هو الدين، إنه ضعيف» (4).
وكانوا يأمرون طلابهم وإخوانهم أن يبينوا أحوال الرواة، قال عبد الرحمن بن مهدي: «سألت شعبة وابن المبارك والثوري ومالك بن أنس
पृष्ठ 46