وكان أبو ذر مثلا رائعا لنشر الحق وتبليغ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، روى " البخاري " بسنده عنه أنه قال: «لو وضعتم الصمصامة - السيف الصارم - على هذه - وأشار إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها» (1)، وما كان أبو ذر بدعا من الصحابة، إنما كان أحد الألوف الذين ساهموا في حفظ السنة ونشرها. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: «تزاوروا وتذاكروا الحديث، فإنكم إن لا تفعلوا يدرس» (2).
ووقف عمرو بن العاص على حلقة من قريش فقال: «ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة ؟ لا تفعلوا، وأوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه، فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم» (3).
وازداد النشاط العلمي في عصر الصحابة والتابعين، وانتشرت حلقات العلم في جميع المساجد، في مختلف الأمصار الإسلامية، حتى إن حلقات أبي الدرداء في جامع دمشق كانت تضم نيفا وخمسمائة ألف طالب (4)، قال أنس بن سيرين: «قدمت الكوفة قبل الجماجم، فرأيت فيها أربعة آلاف يطلبون الحديث» (5)، وزاد في رواية فقال: «وأربعمائة قد فقهوا» (6).
كما كانت حلقات العلم تعقد في حمص وحلب والفسطاط والبصرة والكوفة واليمن، إلى جانب حلقات ينبوع الإسلام في مكة والمدينة، فقد كانت في المدينة كالروضة يختار منها طالب العلم ما يشاء (7).
पृष्ठ 44