अबू हनीफा और मानवीय मूल्य
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
शैलियों
وبفضل أولئك التلاميذ والأتباع، أخذ مذهب أبي حنيفة في الانتشار في العراق أولا، إذ كان هذا القطر الكبير مهده ومهد رجاله، وكان هذا المذهب باعتماده على الرأي والقياس - حين لا تسعف النصوص الصحيحة - أقدر على حل المشاكل التي تعرض في الحياة العملية، وبخاصة أمور الزراعة والتجارة وسائر المعاملات، كما أخذ في الوقت نفسه في التغير بعض الشيء، وتلك طبيعة الحياة، وكان هذا التغير وليد عوامل مختلفة.
ونشير من هذه العوامل إلى ظهور أحاديث صحت عند هؤلاء الرجال، فكان طبيعيا أن يرجعوا إليها تاركين آراء إمامهم، وقد كان هذا صنيع الإمام نفسه حين يصح حديث عنه يعارض رأيا سبق أن رآه قبل أن يعرف هذا الحديث، وقد عرضنا لشيء من هذا من قبل، وكان من ذلك أن ضاقت منطقة الأخذ بالقياس، وأن ضاقت مسافة الخلف بين رجال المذهب وبين رجال الحديث وفقه الحديث، حين قوي الاتصال بين هؤلاء وأولئك جميعا.
وقد تعرض العلامة ابن خلدون، المتوفى عام 808ه، إلى مدى انتشار كل من المذاهب الأربعة المعروفة، وإلى مجال كل واحد منها، فقال عن الإمام الأعظم: وأما أبو حنيفة فقلده اليوم أهل العراق، ومسلمة الهند والصين وما وراء النهر، وبلاد العجم كلها؛ لما كان مذهبه أخص بالعراق ودار السلام (أي بغداد)، وكان تلاميذه صحابة الخلفاء من بني العباس، فكثرت تآليفهم ومناظراتهم مع الشافعية، وحسنت مباحثهم في الخلافيات، وجاءوا منها بعلم مستطرف وأنظار غريبة، وهي بأيدي الناس، وبالمغرب منها شيء قليل، نقله إليه القاضي ابن العربي الباجي في رحلتهما.
16
وقد عني أصحاب «الطبقات» لرجال المذهب ببيان خط سيره في الأقطار والبلاد المختلفة، وكيف انتشر بفضل رجاله طبقة بعد طبقة، غير أن بيان ذلك لا يدخل في نطاق هذا البحث، فليرجع إلى هذه الكتب من يريد.
17
خاتمة البحث ونتائجه
وبعد، هذا هو الإمام أبو حنيفة في عصره وبيئته، وفي نشأته وحياته وسيرته، وفي ثقافته واتجاهه للفقه عن ترو وقصد واستعداد فطري له، وتلك هي طريقته ومذهبه في الفقه، هذا المذهب الذي خلد إلى اليوم، والذي يتعبد به عشرات الملايين من المسلمين في جنبات العالم وأقطاره المختلفة.
وقد وصلنا من دراسة العصر الذي كان يعي فيه، إلى أن الفقهاء لم يكونوا يعيشون على هامش الحياة كما نعيش اليوم، بل كانوا يعرفون من الخلفاء والولاة وينكرون، وكان من هؤلاء من يقبل النصح والتوجيه، ومن يصد عنه ويضيق به، ومن ثم، رأينا من الفقهاء عددا غير قليل أوذي في سبيل بيان الحق ورفع الصوت به، وسواء في ذلك عهد الدولة الأموية، وعهد الدولة العباسية.
وعرفنا أيضا أنه لم يكن في ذلك العصر ما عرفنا فيما بعد من الإجازات والدرجات العلمية تمنح للمستحقين لها، ولكن لم يكن الأمر في هذه الناحية فوضى بلا ضابط؛ فهذا أبو حنيفة نفسه لم يجلس للتعليم بعد وفاة شيخه إبراهيم النخعي إلا بعد أن أجمع على ذلك أصحابه وصاروا يختلفون إليه للإفادة منه، ثم لم يزل أمره في صعود حتى احتاج إليه الأمراء وذكره الخلفاء وأجمع الكل على إمامته في الفقه.
अज्ञात पृष्ठ