وفي سنة 1801 فاز جفرسون زعيم الديمقراطيين بالرياسة، فكان الرئيس الثالث للولايات المتحدة، ثم أعيد انتخابه للمرة الثانية فبقي في منصب الرياسة حتى سنة 1808.
وفي عهد رياسته الأولى أقدم جفرسون على شراء لويزيانا من إسبانيا، وقد آلت هذه المستعمرة العظيمة الممتدة في قلب أمريكا إلى تلك الدولة من فرنسا سنة 1762، وبينما كان يفاوض جفرسون الإسبان تدخل نابليون فاستعاد هذه المستعمرة لفرنسا في شروط بينه وبين إسبانيا، وأظهر جفرسون كياسة وحزما، وظل يرتقب الظروف حتى نقض صلح أميان بين إنجلترة وفرنسا، واستؤنفت الحرب بينهما، واحتاج نابليون إلى المال فساوم الفرنسيين ليشتري المستعمرة، وتم له هذا الشراء، على أنه تعرض لحملات الاتحاديين، فقالوا إنه أنكر على حزبهم بالأمس تأسيس مصرف بحجة عدم دستورية هذا العمل، وهو اليوم يشتري لحساب الاتحاد مستعمرة بأموال عامة مخالفا بذلك روح الدستور.
وقد أظهر جفرسون ترددا كبيرا عند ترشيحه للمرة الثانية، وما قبل إلا لأنه وجد خصومه يوجهون إليه مطاعن شخصية تمس نزاهته، فرأى أن رفضه الترشيح قد يلقي شبهة على براءته. ولم تقع في رياسته الثانية حوادث ذات بال، وكل ما يعنينا هو أن الديمقراطيين قد ازدادوا من القوة بقدر ما خسر الاتحاديون منها. وتوطدت قواعد الديمقراطية على يد هذا الديمقراطي العظيم، الذي كتب وثيقة إعلان الاستقلال، والذي قاد الحزب الديمقراطي ومكن له في البلاد حتى قضى على ما كان يبيت الاتحاديون من تمكين حكم الأقلية، والذي جرى في حكمه على قواعد ديمقراطية ومظاهر ديمقراطية لم يتحول عنها مرة.
وخلف جفرسون في الرياسة ميدسون، وهو كذلك فرجيني وديمقراطي وأشد أنصار جفرسون تحمسا له، وقد أخذ طيلة عهد رياسته يمكن للحزب الديمقراطي كما فعل جفرسون.
وقد اختير ميدسون كذلك للرياسة مرتين، وفي مدة رياسته الأولى اشتد الخلاف بين إنجلترة والولايات؛ بسبب تفتيش إنجلترة للسفن في المحيط الأطلنتي حتى المحايدة منها، على الرغم من احتجاج الولايات المتحدة مرة بعد مرة على تفتيش سفنها، وتفاقم الخلاف حتى بات ينذر بالحرب، وحاول ميدسون أن يحسم الخلاف بغير حرب فلم يفلح، وتشيع للحرب رجال من ذوي الرأي والنفوذ مثل منرو وهنري كليي ... وأعلنت الحرب سنة 1812 قبيل انتهاء رياسته.
وأعيد انتخابه فأدار دفة الحرب، وعصفت العاصفة بالولايات من الداخل ومن الخارج؛ ففي الداخل بدت بوادر الانقسام، فإن بعض الولايات - وفي مقدمتها نيو إنجلند - رغبت عن الحرب؛ بسبب ما تعرضت له من خسائر تجارية وأضرار ساحلية، وعادت تردد نغمة حق الولاية في حرية العمل؛ وفي الخارج حاقت الأخطار بالاتحاد على حدود كندا وعند مصب المسيسبي، على الرغم مما أظهر الأمريكان من بسالة وتوفيق في البحيرات، ودفاع مجيد في الجنوب على يد المجاهد البطل جاكسون الذي سوف يكون له شأن عظيم في التطور السياسي لبلاده.
وسئمت إنجلترة القتال، وقد أعياها النضال في أوروبا أمام نابليون، فعقد الصلح بينها وبين الولايات سنة 1814، وخرجت الولايات من المحنة أحسن حالا مما كانت قبل، فإن عدوان الإنجليز قد أيقظ وطنية الأمريكان وحماستهم على نحو ما حدث في حرب الاستقلال، وقام لهم الدليل المادي مرة ثانية على أن نجاة الجميع في اتحادهم وترابطهم. ولقد ارتكب الإنجليز أخطاء جمعت على كراهيتهم الأمريكان من كل حزب، وفي مقدمة تلك الأخطاء إحراق وشنطون بعد احتلالها، ولم يزل بعد إجلائهم اللون الأبيض يغطي مقر الرياسة؛ إشارة إلى محو ما خلفه فيه الحريق من سواد، وما يذكر الأمريكان البيت الأبيض إلا ذكروا ما أصابه من حريق على يد الإنجليز، وتجددت كذلك ثقة الأمريكان في أنفسهم، فهذه أول حرب يخوضونها بعد الاستقلال فيخرجون منها ولم يمسسهم ما كانوا يتوهمون من سوء.
وفي سنة 1816 خلف منرو بعد ميدسون وهو كذلك ديمقراطي من فرجينيا ومن أتباع جفرسون، إلا أنه يزيد عن سابقيه في نزعته القومية، فالاتحاد وزيادة دعائمه همه الأول.
وفي أوائل عهده ظهرت قوة حزب جديد عرف باسم الحزب الجمهوري القومي، في مبادئه خير ما في مبادئ الحزب الديمقراطي، وفيها كذلك بعض مبادئ الاتحاديين خالية من نزعتهم الأرستقراطية.
كان في مقدمة مبادئ هذا الحزب تقوية الاتحاد، وأن تكون للاتحاد سياسة خارجية قوية، وأن يعد الاتحاد ما استطاع من قوة حربية، كذلك كانوا يرون أن ينهض الاتحاد بالإصلاحات التي فيها الفائدة للجميع؛ كالطرق والترع وإصلاح مجاري الأنهار، وأن تدفع الولايات نفقات ذلك كله بغير نظر إلى ما يردده القائلون بحق الولايات، كذلك كانوا يطالبون بالحماية الجمركية لحماية الصناعات الجديدة التي نشأت في البلاد أثناء الحرب، كما أيدوا في حماسة إحياء مشروع هاملتون بإنشاء مصرف قومي، كل أولئك على قاعدة ديمقراطية سليمة لا تدع مجالا لأقلية تحكم كما كان يريد أشياع هاملتون.
अज्ञात पृष्ठ