अब्राहम लिंकन

महमूद खफीफ d. 1380 AH
157

अब्राहम लिंकन

أبراهام لنكولن

शैलियों

جعل الرئيس ينتظر أخبار الميادين، وكثيرا ما كان يقضي الوقت الطويل في غرف البرق يترقب ويتوقع، وكثيرا ما كان يشخص بنفسه إلى مراكز الجند فيزورها واحدا بعد الآخر، ففي الحادي والعشرين من ديسمبر سنة 1864 أخذ شيرمان مدينة سفانا عنوة، فأبرق إلى الرئيس يقول: «أرجو أن تسمح لي أن أقدم إليك مدينة سفانا هدية عيد الميلاد.» واستمر شيرمان في زحفه فاستولى على كولومبيا وشارلستون، وما زال حتى دخل ولاية كارولينا الشمالية وأصبح على اتصال بجنود جرانت، وبذلك أوشكت جنودهما أن تحيط بجيش الجنوبيين.

وكان جرانت يثخن في أرض الجنوبيين لا يألوهم نزالا كأهول ما يكون النزال، وكانت ضحاياه كثيرة يدمى لها قلب الرئيس، ولكنه كان لا يلين، وما لبث هو وأعوانه أن هزموا الجنوبيين في كل مكان حتى لم يبق في الميدان غير لي.

وحاصر جرانت مدينة رتشنمد، ودام حصاره طوال أشهر الصيف من سنة 1864 وأشهر الشتاء من سنة 1865. وفي السابع والعشرين من شهر مارس التقى لنكولن وجرانت وشيرمان على زورق في نهر جيمس على مقربة من مركز القيادة، وتداول ثلاثتهم في الأمر، ولشد ما تألم الرئيس أن علم أنه لا يزال دون النصر معركة حامية، وراح يتساءل في جزع: «ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟ ألا يمكن تجنب تلك المعركة؟»

وأمكن تجنب تلك المعركة كما تمنى الرئيس؛ فلقد تمكن شريدان - وكان إلى ميسرة جرانت - أن يقطع على لي آخر منفذ للهرب فتم لهما تطويقه، وبات تسليمه أمرا لا بد منه.

وفي اليوم الثالث من شهر أبريل سنة 1865 سقطت رتشمند طراودة هذا الصراع المتصل الطويل، وهيهات أن يصف الكلام مبلغ ما كان بالعاصمة من شعور الفرح والحبور. لقد بات الناس وأفاقوا على مثل مظاهر العيد، وأي عيد أجمل من هذا الذي يبشر الناس فيه بقرب انفراج الغمة واتحاد الأمة؟

وغادر جفرسون دافز والقائد لي مدينة رتشمند، وأحرق الجيش المنسحب المستودعات وكل ما يمكن أن ينتفع به الفاتحون، وشاعت الفوضى في المدينة على صورة خيلت للناس أن جهنم فتحت أبوابها.

وأرهف الناس آذانهم على صوت بعيد سمعوه، صوت لا يكون مثله في الجحيم، فإذا هو لحن الجيش الجمهوري تعزف به موسيقاه، وتقدم هذا الجيش وكان في طليعته عدد ممن كانوا يسمون بالأمس الرقيق، فدخل المدينة وأعاد فيها الأمن، وعني بالجرحى وأطفأ الحريق.

وجاء القواد يدعون الرئيس لنكولن لتسلم المدينة التي حاربتها جيوشه خمسة أعوام، وأنصت الرئيس إلى برنامج الاحتفال، وكيف يتألف الموكب الرسمي، وماذا يختار من الفرق لتسير في طليعته وفي مؤخرته، ومن هم القواد الذين يصحبون الرئيس، وماذا يفعل الرئيس بالمدينة المفتوحة، إلى آخر ما أعد القواد من مظاهر الزهو والأبهة. وكان يخيل إليهم أن الرئيس يقرهم على ما يقولون.

وقبل أن يحل اليوم الموعود قصد الرئيس المدينة وحده يمسك بيده يد ابنه الصغير تاد، وعبر إليها النهر في قارب حربي كان يرسو على مقربة منها ولم يعلم أحدا، فلا موكب ولا فيالق ولا شرطة يفسحون الطريق.

ودخل الرئيس العظيم المدينة في الصباح وفي يده تاد الصغير وهو يمشي على الأرض هونا وليس في وجهه زهو ولا تطاول!

अज्ञात पृष्ठ