ولكن جرانت لم يلبث أن أرسل شريدان فأقصى العدو ورماه بهزيمة كبيرة، وكان ذلك في أوائل سبتمبر عقب سقوط أتلنتا بيوم واحد.
ولندع جرانت وأصحابه فيما هم فيه من جهاد ونصر لننظر ماذا كان من أمر الانتخاب. •••
لقد كان انتصار الجيوش على هذا النحو مما قضى على كيد الكائدين من خصوم الرئيس، إذ كانت البلاد تتأهب لمعركة الرياسة.
وكان الديمقراطيون يذيعون في الناس أن من المصلحة العامة اختيار رئيس غير هذا الرئيس، وراحوا يقولون إن الحكومة من الوجهة الحربية قد منيت بالفشل منذ قامت الحرب، ولا محيص من أن يتبع في الحرب سياسة أقوى وأسرع من سياستها، وتارة أخذوا يطالبون بمصالحة أهل الجنوب ووضع حد لهذا البلاء، وهم في ذلك يرشحون ماكليلان للرياسة، ولقد اختاره لذلك مؤتمرهم الذي انعقد في شيكاغو في أغسطس من ذلك العام.
وكان بعض الجمهوريين من حزب لنكولن يدعون إلى انتخاب رجل غيره؛ إذ كانوا يزعمون أنه ابتعد عن مبادئ الحزب وعن روحه، فهم يخالفونه فيما أعلن غداة تحرير العبيد من أن ذلك كان من أجل ضرورة حربية، متجاهلين أنه كان يبرر بذلك تصادمه بالدستور الذي أباح الرق، وهم يعيبون عليه مسلكه تجاه الولايات الوسطى وتجاه أهل الجنوب. كما أنهم يقولون إن الحرب لا تسير على خير ما يرجى.
وكان هؤلاء الجمهوريون يرشحون جرانت تارة وفريمونت تارة، ولكن معظمهم كانوا يميلون إلى تشيس وزير المالية، وكان تشيس هذا من أكفأ الرجال، وكان الرئيس يحترم آراءه ويحرص على أن ينتفع بها، كما كان يشهد له بالذكاء ويقر بفضله. ولكن تشيس كان دائم الشكوى من الرئيس وكثيرا ما ضايقه بتقديم استقالاته من الوزارة، وذلك أن تشيس كان ينفس على الرئيس منصبه ويعتقد أنه أحق به منه وأجدر.
وما كان الرئيس كما أسلفنا يحرص على الحكم إلا أن يكون وسيلة لتحقيق غرضه. قال ذات مرة يرد على الداعين إلى ترشيح جرانت: «إذا كان الناس يعتقدون أن القائد جرانت في منصبي يكون أسرع مني في القضاء على الثورة، فإني أتخلى له عنه.»
وعلى الرغم من ذلك كان خصومه يدعون أنه حريص على الحكم مولع بالرياسة، وكان من أقدر هؤلاء الخصوم وأنشطهم جريلي، ذلك الذي طالما حرص الرئيس على مودته وعمل على إرضائه، على أن الرئيس كان على علم بهذا كله فلم يعبأ به؛ وذلك لأنه كان يجعل اعتماده على عامة الناس، وهل اعتمد على غيرهم منذ كان يقطع الأشجار ويسحب الأبقار معهم في الغابة؟
وجاءت بعد ذلك أنباء انتصار جنده، فكان ذلك أبلغ رد على ما يزعم المخالفون والخوارج.
ولقد كان مؤيدو الرئيس من الجمهوريين أعز نفرا وأعلى في البلاد صوتا، وهؤلاء أجمعوا أمرهم على ترشيحه في مؤتمرهم الذي عقدوه في الثامن من يونيو سنة 1864، وكانت حماستهم له جديرة به شديدة على كارهيه وخصومه. وحمل إليه نبأ ذلك فتلقاه على عادته في دعة، قال: «إنهم رشحوني لا لأنهم رأوني أعظم رجل في أمريكا وأفضل رجل، وإنما كان ذلك لأنهم لم يروا من الحكمة أن يغيروا الخيل أثناء عبور الماء، ولأنهم رأوا بعد ذلك أني لست فرسا بلغ من السوء مبلغا لا يمكن معه استخدامه، ولو في مشقة أثناء محاولة ذلك العبور.»
अज्ञात पृष्ठ