أدارت لي ظهرها. فعلت ذلك بكياسة - لم تكن تريد أن تؤذي مشاعري - لكنها كانت حركة متعمدة وقصدت منها أن تكون ردا نهائيا.
قلت بصوت خافت: «أريد أن أتحدث إليك. الأمر مهم. لن آخذ من وقتك الكثير. أيوجد مكان يمكننا أن نقصده؟» «السوق أكثر أمنا من هنا.»
استدارت عائدة، وسرت إلى جوارها ببساطة، دون أن أنظر إليها، فبدونا مجرد متسوقين ضمن الحشد أجبرهما تزاحم الأجساد على أن يقترب أحدهما من الآخر مؤقتا. بعد أن صرنا داخل السوق، توقفت لتتطلع إلى واجهة محل يبيع وراءها رجل عجوز ومساعده الكعك المحلى والفطائر الطازجة التي خرجت لتوها من الفرن. وقفت إلى جوارها أتظاهر بإبداء اهتمامي بالجبن الساخن والمرق الذي ينز من الفطائر. شممت الرائحة، وكانت شهية وقوية، رائحة أتذكرها. فهما يخبزان الفطير هنا منذ أن كنت طالبا جامعيا.
وقفت أشاهدهما متظاهرا بأني أتأمل ما يعرضانه، ثم همست في أذنها بصوت خافت جدا قائلا: «لقد زارتني شرطة الأمن الوطني - قد يكونون قريبين جدا. هم يبحثون عن جماعة من خمسة أفراد.»
أدارت ظهرها للواجهة وتابعت السير. ظللت إلى جوارها.
قالت: «بالطبع. هم يعرفون أننا خمسة. فهذا لا يخفى على أحد.»
قلت وأنا واقف بجوارها: «لا أعلم ماذا عرفوا أو خمنوا غير ذلك. توقفوا الآن. ما تفعلونه لا يفيد بشيء. وقد لا يكون أمامكم متسع من الوقت. إن لم يشأ الآخرون أن يتوقفوا فاتركيهم أنت.»
حينها استدارت لتواجهني. والتقت عينانا للحظة، لكن حينها، وبعيدا عن الأضواء المتوهجة والتماعة ألوان الفاكهة الزاهية، رأيت ما لم ألحظه من قبل؛ رأيت أن وجهها يبدو متعبا وأكبر عمرا ومستنفدا.
قالت: «من فضلك اذهب. من الأفضل ألا نلتقي مجددا.»
ومدت يدها لتصافحني، وفي لحظة تحد للمخاطرة صافحتها. قلت: «أنا لا أعرف كنيتك. ولا أعرف أين تسكنين أو أين أجدك. لكنك تعرفين أين تجدينني. إن احتجت إلي يوما، فأرسلي في طلبي في شارع سانت جونز وسآتي إليك.»
अज्ञात पृष्ठ