الفصل الثالث عشر
كانت السيارة في انتظاره. عندما رآه السائق ترجل من السيارة وفتح له الباب. لكن فجأة وجد زان بجواره. قال لهيدجز: «أوصلنا إلى طريق ذا مول وانتظرنا عند تمثال الملكة فيكتوريا.» ثم التفت إلى ثيو قائلا: «سنتمشى قليلا في المتنزه. انتظر ريثما أحضر معطفي.»
عاد قبل أقل من دقيقة وهو يرتدي معطفه المعتاد المصنوع من قماش التويد الذي يرتديه على الدوام في اللقطات التلفزيونية الخارجية، والذي كان مضيقا قليلا عند الخصر وتعلوه طبقتان فضفاضتان عند الكتفين، على الطراز الريجنسي، الذي شاع لفترة وجيزة في مطلع القرن العشرين، وكان باهظ الثمن. كان المعطف قديما لكنه احتفظ به.
كان ثيو لا يزال يتذكر حديثهما عندما طلبه: «لقد جننت. ستدفع كل ذلك مقابل معطف!» «سيدوم للأبد.» «لكنك لن تدوم للأبد، ولا تلك الصرعة.» «لا أهتم بالصرعات. سيعجبني الطراز أكثر عندما لا يرتديه أحد غيري.»
والآن لم يكن أحد غيره يرتديه.
عبرا الطريق ودخلا إلى المتنزه. قال زان: «قدومك اليوم إلى هنا لم يكن تصرفا حكيما. يوجد حدود لقدرتي على حمايتك أو حماية من تصاحبهم.» «لم أكن أعرف أني بحاجة إلى الحماية، فأنا مواطن حر جاء للتشاور مع حاكم إنجلترا المنتخب بطريقة ديمقراطية. لماذا إذن سأحتاج إلى حماية منك أو من غيرك؟»
لم يجب زان. دون سابق تفكير، قال ثيو: «لماذا تفعل ذلك؟ لماذا بحق السماء تريد تلك الوظيفة؟» خطر له أنه الوحيد الذي لديه المقدرة أو الجرأة على طرح ذلك السؤال.
صمت زان لبرهة قبل أن يجيب، وقد ضيق عينيه وركزهما على البحيرة كما لو أن شيئا لا يراه غيره قد أثار اهتمامه فجأة. لكن ثيو كان يرى أنه لم يكن ثمة داع لديه للتردد. إذ لا بد أنه فكر في إجابة ذلك السؤال مليا. ثم التفت وتابع سيره قائلا: «في البداية ظننت أني سأجدها ممتعة. سأجد السلطة ممتعة. لكن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد. فأنا لا أطيق قط رؤية شخص يؤدي بطريقة سيئة عملا ما أعرف أني كنت لأقوم به بطريقة جيدة. بعد مضي الخمس السنوات الأولى، وجدت أني لم أعد أستمتع بها بالدرجة نفسها، لكن حينها كان الأوان قد فات. فشخص ما عليه أن يقوم بهذا العمل، والأشخاص الوحيدون الذين يريدون القيام به هم الأربعة الجالسون حول تلك الطاولة. أكنت تفضل أن تقوم به فيليشيا؟ أو هارييت؟ أو مارتن؟ أو كارل؟ يستطيع كارل القيام به، ولكنه يحتضر. الثلاثة الآخرون لا يستطيعون الحفاظ على تماسك المجلس، فما بالك بالدولة. «إذن، هذا هو السبب؟ مجرد أداء للواجب العام منزها عن أي مصلحة شخصية؟» «هل سمعت يوما بأحد تخلى عن السلطة، أعني السلطة الحقيقية؟» «بعض الناس يفعلون ذلك.» «وهل رأيت أيا منهم، أولئك الموتى الأحياء؟ لكن السلطة ليست هي السبب الأساسي. سأخبرك بالسبب الحقيقي. هذا العمل لا يجعلني أشعر بالملل قط. أيا كانت المشاعر التي تجتاحني الآن، الملل ليس قط من ضمنها.»
سارا في صمت على حافة البحيرة. ثم ما لبث زان أن قال: «يؤمن المسيحيون يأن المجيء الثاني والأخير يحدث الآن، إلا أن ربهم يجمعهم واحدا تلو الآخر عوضا عن أن يتنزل في مجده بأسلوب أكثر استعراضية بين السحب الموعودة. بهذه الطريقة يمكن أن تتحكم السماء في أعداد الصاعدين إليها. وتسهل عملية صعود جماعة ذوي الأردية البيضاء، ممن نالوا الخلاص، إليها. أحب أن أعتقد أن الرب يشغل باله بالترتيبات العملية. لكنهم مستعدون للتخلي عن ذلك الوهم مقابل سماع ضحكة طفل واحد.»
لم يرد ثيو، فقال زان بهدوء: «من هؤلاء الأشخاص؟ من الأفضل لك أن تخبرني.» «لا يوجد أشخاص بعينهم.» «ذلك المزيج من كل تلك الأفكار المشوشة الذي عرضته في غرفة المجلس. أنت لم تفكر في ذلك بنفسك. لا أعني أنك غير قادر على التفكير فيه؛ فأنت تقدر على ما هو أكثر من ذلك بكثير، لكنك لم تبال بأي من ذلك طوال ثلاث سنوات، وحتى قبل ذلك لم تكن تبالي كثيرا. شخص ما أثر عليك!» «ليس شخصا بعينه؛ فأنا أعيش في العالم الحقيقي حتى وأنا في أكسفورد. أقف في طابور صندوق الدفع، وأذهب للتسوق، وأستقل الحافلة، وأسمع للآخرين. يتحدث الناس معي أحيانا. لا أحد يعنيني أمره، بل مجرد أشخاص عابرين. ما لدي هو أني على تواصل مع الغرباء.» «أي غرباء؟ طلابك؟» «ليس طلابي. لا أعني أحدا بعينه.» «غريب أنك صرت منفتحا لتلك الدرجة. فقد اعتدت أن تحيط نفسك بحائل منيع من الخصوصية، يحيط بك كمشيمة غير مرئية. عندما تتحدث إلى أولئك الغرباء الغامضين مرة أخرى، اسألهم إن كانوا يستطيعون القيام بوظيفتي أفضل مني، وإن كانوا يستطيعون ذلك، فقل لهم أن يأتوا إلي ويخبروني بذلك وجها لوجه؛ فأنت لست مبعوثا مقنعا للغاية. سيكون من المؤسف أن نضطر إلى إغلاق مدرسة تعليم الكبار في أكسفورد. لن يكون لدينا خيار إن تحول المكان إلى بؤرة للتحريض على التمرد.» «أنت حتما لا تعني ما تقول.» «هذا ما كانت فيليشيا ستقترحه.» «منذ متى تأخذ فيليشيا على محمل الجد؟»
अज्ञात पृष्ठ