وعلم الإنسان بوجود نفسه وإن كان بديهيا ، فلا يلزم أن تكون العلوم التصورية بديهية لوقوع النسبة البديهية بينهما ؛ فإنه لا معنى للقضية البديهية إلا إذا ما حصل العلم بمفرداتها بادر العقل إلى النسبة الواجبة لها من غير توقف على نظر ولا استدلال. وسواء كانت المفردات معلومة بالبديهية ، أو النظر. ولهذا فإن النفس أحد التصورات في المثال المذكور ؛ والعلم بمعنى النفس غير بديهى (1).
والأشبه في تحديده أن يقال :
العلم عبارة عن (2) صفة يحصل بها لنفس المتصف تمييز حقيقة ما ، غير محسوسة في النفس احترازا من المحسوسات حصل عليه حصولا لا يتطرق إليه احتمال كونه على غير الوجه الذي حصل عليه (2)، ويدخل فيه العلم بالإثبات ، والنفى ، والمفرد ، والمركب (3). وتخرج عنه الاعتقادات والظنون حيث (4) أنه لا يبعد (4) فى النفس احتمال كون المعتقد والمظنون على غير الوجه الذي حصل عليه في النفس ، وهو وجودى لا سلبى ؛ لأنه لو كان سلبيا ؛ فسلبه يكون إثباتا ؛ لأن سلب السلب إثبات. ولو كان كذلك ؛ لما صح سلب العلم عن المعدوم المستحيل الوجود ؛ لما فيه من اتصاف العدم المحض بالصفة الثبوتية ؛ وهو محال.
فإن قيل : هذا وإن دل على أن العلم ثبوتى ؛ فهو معارض بما يدل على كونه سلبيا ؛ وذلك لأن الجهل البسيط نقيض العلم. والجهل البسيط ليس أمرا سلبيا وإلا كان سلبه إثباتا كما ذكرتموه. ولو كان إثباتا ؛ لما صح سلب الجهل عن المعدوم المستحيل الوجود ؛ لما فيه من إثبات الصفة الثبوتية للعدم المحض ؛ وهو محال.
وإذا كان الجهل البسيط ثبوتيا ؛ فالعلم المناقض له يكون سلبيا.
पृष्ठ 78