A Detailed Description of Prayer with Its Introductions, Accompanied by Evidence from the Quran and Sunnah, and Clarification of Its Rulings, Etiquettes, Conditions, and Sunnahs from Takbeer to Tasleem
الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، وبيان لأحكامها وآدابها وشروطها وسننها من التكبير حتى التسليم
प्रकाशक
مدار الوطن للنشر
संस्करण संख्या
العاشرة ١٤٢٥هـ.
शैलियों
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، خلق الإنسان وكرمه، فأمره بعبادته، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ١، وأرشده إلى طريق الفلاح، قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ ٢، ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ ٣.
وأصلى وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، أنعم الله عليه بمعراج إلى السماء، فتلقى في هذا المقام الجليل تكليف الصلاة ... فكانت بعد العقيدة أولى الواجبات، وللمؤمنين أهم السمات، عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " ٤.
أما بعد:
فالصلاة من أهم العبادات التي يجب على كل مسلم أن يفقه أحكامها درسا وتطبيقا، لعظم قدرها، وسمو مكانتها في الإسلام، فإذا كان الإيمان قولا بلسان واعتقادا بالجنان، فالصلاة عمل بالأركان وطاعة للرحمان.
_________
١ سورة البقرة الآية [٢١] .
٢ سورة المؤمنون، الآيتان [١، ٢]
٣ سورة الأعلى، الآيتان [١٤، ١٥] .
٤ رواه مسلم ١/٨٨ ح٨٢.
1 / 7
ولما كانت الصلاة عبادة يتحقق فيها التجرد لله وحده، وتربية النفس على المعاني الإيمانية التي تعد المؤمن لحياة كريمة في الدنيا، وسعادة سرمدية في الآخرة، كانت سنة متتابعة عبر
الرسالات، وصلة بخالق الأرض والسماوات، وزادا يعين النفس على التزام الطاعات، والبعد عن المحرمات.
والصلاة عبادة يجب أن تؤدى على وجهها المشروع، لقول الرسول ﷺ: "..وصلوا كما رأيتمونى أصلى.." ١، فلابد للمسلم أن يتعلم كل ما يتعلق بأحكام الصلاة حتى يؤدى العبادة على الوجه الصحيح.
ومن هنا تبدو أهمية هذه الرسالة في التعريف بالصلاة ومكانتها وأثارها في حياة المسلم، وكيف يؤدى الإنسان صلاة صحيحة تامة كما علمنا إياها رسول الله ﷺ.
ولقد اعتنى القرآن الكريم بالصلاة عناية كبيرة، فجاءت الآيات تأمر بإقامتها، والمحافظة عليها، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ ٢ وقال تعالى: ﴿أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...﴾ ٣، وقال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ...﴾ ٤.
وقد وصف القرآن الكريم أهل الأيمان بأنهم يقيمون الصلاة، قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ..﴾ ٥، وتوعد
_________
١ رواه البخاري ١/١٥٥ كتاب الآذان، باب الأذان المسافر إذا كانوا جماعة والإقامة..
٢ سورة النور، الآية [٥٦] .
٣ سورة الإسراء، الآية [٧٨] .
٤ سورة هود، الآية [١١٤] .
٥ سورة البقرة، الآية [٣] .
1 / 8
الساهين عنها، قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ١والمضيعين لها، قال تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ٢.
وتظهر مكانة الصلاة في القرآن فينادى لها، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ...﴾ ٣، ويأمر القرآن بالتطهر لها، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ...﴾ ٤ ويشير القرآن إلى بناء المسجد لأدائها فيه، ويحث على عمارة المساجد، ويدعو ألى أخذ الزينة عندها.
ولم تنفك السنة المطهرة تعلم الأمة فضل الصلاة ومكانتها، وأنواعها، وكيفيتها، ويكون من آخر كلام هادى الأمة محمد ﷺ وصيته بها: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم " ٥.
إنها آخر ما يفقد من الدين، فإن فقدت فقد الدين كله، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة..وكفى بها حدا فاصلا بين الإسلام والكفر.
_________
١ سورة الماعون، الآية [٤، ٥] .
٢ سورة مريم، الآية [٥٩] .
٣ سورة الجمعة، الآية [٩] .
٤ سورة المائدة، الآية [٦] .
٥ رواه أحمد ١/٢٩٠ حديث أم سلمة زوج النبي ﷺ قال في الفتح الرباني ٢/٢٠٧، ٢٠٨ (جه) وإسناده جيد، وصحح الإسناد الألباني في الإرواء ٧/٢٣٧.
1 / 9
أخي القارئ:
هذه هي الرسالة الثالثة من رسائل التعريف بالإسلام، أكتب فيها بعد أن من الله علي بالكتابة في الزكاة والصيام والحج، استكمالا لعقد أركان الإسلام، وقد راعيت فيها الإيجاز لتحصل الفائدة وتعم، والتزمت العبارة سليمة المبنى واضحة المعنى، وقد تعرضت لما تبدو الحاجة إليه من موضوع الصلاة، وبسطت القول في ما احتاج إلى البسط، مع ذكر الدليل، ورجحت ما ظهر لي من خلال استعراض كلام أهل العلم، واعتنيت بإبراز جانب كبير من الأخطاء التي ظن من يقع فيها الصواب ...
ولا أضيف جديدا إن نوهت إلى الدور الرائد الذي تقوم به جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي تمتد في نشاطها كشريان يغذي الأمة ويروي ظمأها، وفق منهج إسلامي قويم
وأتقدم بالشكر الجزيل والدعاء الصادق للقائمين عليها، وعلى رأسهم معالي مديرها الأستاذ الدكتور / محمد بن عبد الله العجلان، وأصحاب الفضيلة وكلاء الجامعة وسعادة عميد البحث العلمي فيها، لما يولونه من عناية فائقة لنشر وعي إسلامي صحيح، لا يدخرون في ذلك وسعا ...
أسأل الله جل وعلا أن ينفع بهذه الكتابة، وأن يغفر لي ما كان فيها من زلل أو تقصير، وأن يوفقنا إلى صالح الأعمال، انه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه
أبو محمد عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار
في ٨/١٠ /١٤١٥هـ
الزلفي
ص. ب١٨٨
1 / 10
الصلاة
معنى الصلاة
...
معنى الصلاة:
أولا: معناها لغة: جاء في تاج العروس١: وأما معناها فقيل: الدعاء، وهو أصل معانيها، ومنه قوله تعالى: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ ٢ أي ادع لهم. يقال: صلى على فلان إذا دعا له وزكاه، ومنه قول الأعشى: وصلى على دنها وارتسم٣ - أي دعا لها أن لا تحمض ولا تفسد.
وفي الحديث: "وان كان صائما فليصل" أي فليدع بالبركة والخير، وكل داع مصل. وقال ابن الأعرابي: الصلاة من الله الرحمة، ومنه: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ﴾ ٤ أي يرحم. وقيل: الصلاة من الملائكة الاستغفار والدعاء، ومنه: صلت عليه الملائكة عشرا، أي استغفرت، وقد يكون من غير الملائكة، ومنه حديث سودة: "إذا متنا صلى لنا عثمان ابن مظغون "، أي استغفر وكان قد مات يومئذ.
وقيل: الصلاة حسن الثناء من الله ﷿ على رسوله ﷺ، ومنه قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ ٥.
وجاء في اللسان: الصلاة من الله رحمة، ومن المخلوقين الملائكة والإنس والجن: القيام والركوع والسجود والدعاء والتسبيح، والصلاة من الطير والهوام التسبيح.
_________
١ تاج العروس: الزبيدي ١٩/٦٠٦، ٦٠٧.
٢ سورة التوبة، الآية [١٠٣] .
٣ وصدره: وقابلها الريح في دنها.
٤ سورة الأحزاب: الآية [٤٣] .
٥ سورة البقرة: الآية [١٥٧] .
1 / 11
ثانيا: معناها شرعا: عبادة لله تعالى، ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم.
والمراد بالأقوال: التكبير والقراءة والتسبيح والدعاء ونحوه.
والمراد بالأفعال: القيام والركوع والسجود والجلوس ونحوه.
وإذا تأملنا معنى الصلاة في اللغة والشرع، وجدنا الصلة الوثيقة بينهما، فالدعاء واللزوم والتعظيم كلها أجزاء ومعان موجودة في الصلاة بمعناها الشرعي، فهي من باب تسمية الشيء ببعض أجزائه.
أما الدعاء فاشتمال الصلاة عليه حقيقة شرعية، واللزوم يبدو في أن الصلاة لزوم ما فرض الله تعالى، بل من أعظم الفرض الذي أمر بلزومه، وسميت الصلاة الشرعية صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى وتقدس.
وإذا كانت في اللغة مأخوذة من الصلوين، فهما موضعان في الإنسان يقوم عليهما الركوع والسجود، فلا ركوع ولا سجود بلا تحريك لهما، فأخذ اسم الصلاة منهما كما أخذ اسم البيع من الباعين اللذين يمدهما البائع والمشتري.
أما صلوتا فهي موضع الصلاة، والصلة بين المعنيين ظاهرة
وبهذا يتضح ارتباط المعنيين اللغوي والشرعي.
1 / 12
العبادات في الإسلام
...
العبادة في الإسلام:
قال الله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ ١
عندما نتأمل هذه الآيات الكريمات، التي تقف بنا في أسلوب قصر بليغ، على غاية خلق الخلق
وترشدنا إلى الحقيقة الضخمة العظيمة وحجر الأساس الذي تقوم عليه الحياة.
فهناك غاية محددة لوجود الجن والإنس، تتمثل في أداء مهمة سامية، من قام بها فقد حقق غاية وجوده، ومن قصر فيها، باتت حياته فارغة من القصد، خاوية من معناها الأصيل. هذه الغاية المحددة هي عبادة الله وحده، كما شرع لعباده أن يعبدوه، ولا تستقيم حياة العبد كلها الا على ضوء هذه المهمة والغاية.
وإذا بحثنا في آيات الله لنستكشف معنى العبادة التي هي غاية الوجود الإنساني، ورسالته في الحياة، قرأنا قول الله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ ٢، فيبدو عمل الإنسان في خلافته في الأرض، وقيامه بجميع الأنشطة الحيوية التي تحقق مفهوم الخلافة، من عمارة الأرض،
_________
١ سورة الذاريات: الآيات [٥٦، ٥٧، ٥٨] .
٢ سورة البقرة: الآية [٣٠] .
1 / 13
والتعرف على أسرارها واستخدامها وتنميتها وفق شرع الله في الأرض ومنهجه.
وحتى يؤدي الإنسان رسالته، ويقوم بدوره المكلف به في حياته محققا معنى العبادة التي من أجلها خلقه الله، يلزمه أمران:
الأول: استقرار الشعور بمعنى العبودية لله وحده في النفس.
والثاني: التوجه إلى الله بكل حركة في النفس، وكل حركة في الجوارح، بل وكل حركة في الحياة، والتجرد إليه سبحانه من كل شعور ومن كل معنى يخالف معنى العبودية لله وحده.
وحتى لا يكون الحافز للمؤمن على العمل وبذل الجهد في الخلافة والقيام بالتكاليف هو الحرص على تحصيل الرزق فقد حرر الحق سبحانه الإنسان من الإنشغال بهمّ الرزق، حتى يتفرغ قلبه، ويتوجه جهده لتحقيق ما خلق من أجله.
وكي يقوم الإنسان بدوره في خلافته في الأرض، لابد له من عقيدة وعمل وفق ما شرع الله من منهج التكليف "افعل ولا تفعل "، حتى يحقق الإنسان سعادته في الدنيا، بما يشعر به من طمأنينة في النفس وراحة في الضمير لقيامه بوظيفته، وسعادته في الآخرة لما يجده من التكريم والنعيم والفضل العظيم.
والحقيقة التي ينبغي أن لا تغيب عن بالنا، هي أن الله ﷾ ما أوجب علينا عبادته لحاجته إليها، ولكن لخيرنا نحن، حتى نكتسب التقوى، فنعتصم من الزلل والمعاصي، ونفوز برضوان الله ونعيمه وننجو من عذابه، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ
1 / 14
وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ١ وعبادتنا لله شرف عظيم يناله العابد، فقد وصف الحق سبحانه أكرم الخلق عنده بهذه الصفة في أكثر من موضع من القرآن، منها قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ ٢، وعقيدة التوحيد وعبادة الله هي رسالة جميع الرسل.
وقد التبس على كثير من المسلمين أن مفهوم العبادة يقتصر على أداء الصلاة، وأداء الزكاة، والصوم والحج، في حين تدخل الأركان السابقة فيها، ولكن معنى العبادة لا يقتصر عليها، بل يتسع ليشمل القيام بكل متطلبات الإسلام، من دعوة إلى الله، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وتحكيم شرع الله، والجهاد في سبيله، وكل عمل يقوم به الإنسان يمكن تحويله إلى عبادة إذا صرفنا النية إلى ذلك.
_________
١ سورة البقرة: الآية [٢١] .
٢ سورة الإسراء: الآية [١] .
1 / 15
مكانة الصلاة في الإسلام:
والصلاة صورة من الصور التي يقوم بها الإنسان لعبادة خالقه، وهي صلة بين العبد وربه، ومنزلتها من الإسلام بمنزلة الرأس من الجسد، عن ابن عمر ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا صلاة لمن لا طهور له، ولا دين لمن لا صلاة له، إنما موضع الصلاة من الدين كموضع الرأس من الجسد" ١.
وهي الركن الثاني بعد الشهادتين، بها يفرق بين المسلم والكافر، فهي مظهر للإسلام، وعلامة للإيمان، وقرة العين وراحة الضمير، عن أنس بن مالك ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "وجعل قرة عيني في الصلاة " ٢.
ماذا يتحقق بالصلاة؟
فالصلاة عبادة تحقق دوام ذكر الله، ودوام الاتصال به، تمثل تمام الطاعة والاستسلام لله، والجرد له وحده بلا شريك، تربي النفس وتهذب الروح وتنير القلب، بما تغرس فيه من جلال الله وعظمته، وتحلي المرء وتجمله بمكارم الأخلاق.
_________
١ رواه الطبراني في الأوسط ٣/١٥٤ ح٢٣١٣، وقال لم يرو هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر إلا مندل، ولا عن مندل إلا حسن. تفرد به الحسين بن الحكم وفي الصغير ١/٦٠، ٦١.
٢ رواه النسائي ٧/٦١، كتاب عشرة النساء، باب حب النساء. قال ابن حجر في تلخيص الحبير ٣/١١٦ ح١٤٣٥: رواه النسائي وإسناده حسن.
1 / 16
فهي عمل من صميم التدين، ولذلك كانت سنة مطردة على تعاقب الرسل بعد التوحيد، بها تتوثق أسباب الاتصال بالله، ويتزود العبد من خلالها بطاقة روحية تعينه على مشقة التكليف
فرضها الله على المسلمين للثناء عليه بما يستحقه، وليذكرهم بأوامره، وليستعينوا بها على تخفيف ما يلقونه من أنواع المشقة والبلاء في الحياة الدنيا.
فيها يقف الإنسان بين يدي ربه في خشوع وخضوع، مستشعرا بقلبه عظمة المعبود، مع الحب والخوف من جمال وجلال المعبود، طامعا فيما عنده من الخير، وراغبا في كشف الضر، وجلا من عقابه الشديد.
منزلة الصلاة:
وللصلاة منزلة كبيرة في الإسلام، لا تصل إليها أية عبادة أخرى، فهي عماد الدين الذي لا يقوم إلا به، وفي الحديث الذي رواه معاذ بن جبل ﵁ قال: قال: رسول الله ﷺ: " ... ألا أخبرك برأس الأمر كله وعموده، وذروة سنامه؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: "رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ... " ١
وتأتي منزلتها بعد الشهادتين لتكون دليلا على صحة الاعتقاد وسلامته، وبرهانا على صدق ما وقر في القلب، وتصديقا له. قال رسول الله ﷺ: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم
_________
١ رواه الترمذي ٥/١١، ١٢ ح٢٦١٦، كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، وفيه قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، تحفة الأشراف: المزي ٨/٣٩٩ ح ١١٣١١.
1 / 17
رمضان" ١. وإقام الصلاة: أدائها كاملة بأقوالها وأفعالها، في أوقاتها المعينة، كما جاء في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ .٢
وتتقدم الصلاة على جميع الأركان بعد الشهادتين، لمكانتها وعظيم شأنها، فهي أول عبادة فرضها الله على عباده في مكة، وأول عبادة تكتمل بالمدينة، عن عائشة أم المؤمنين ﵂ قالت: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر" ٣، وفي المدينة أتمت بعدها سائر شعائر العبادة، وفرضت معظم التكاليف.
وتكتسب الصلاة مكانة خاصة لمكان فرضيتها، فلم ينزل بها ملك إلى الأرض، ولكن شاء الله أن ينعم على رسوله محمد ﷺ بمعراج إلى السماء، وبين يدي ربه في أسمى منزلة وأعظم لقاء، يتلقى الرسول الكريم هذا التكليف العظيم.
الصلاة تذكر بالله:
ويقف المصلي في رحاب الله، ليس بينه وبين الله واسطة، فيشعر بالقرب من الله، ويشعر بمعية الله له، فتمتلئ جوارحه بالأمن والطمأنينة والثقة واليقين، فيخشع راكعا، ويخشع ساجدا، يستمد العون والتأييد، قال الله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ
_________
١ رواه البخاري ١/٨ كتاب الإيمان، باب قول النبي ﷺ بني الإسلام على خمس، ومسلم ١/٥٤ ح٢١.
٢ سورة النساء: الآية [١٠٣] .
٣ رواه البخاري ١/٩٣ كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة.
1 / 18
خَاشِعُونَ﴾ ١.
ويتولى فرض الصلاة ونفلها على المسلم، لا يمنعه منها عذر من مرض ولا سفر، وحيثما انتقل لزمته فرضية الصلاة، يؤديها أينما تيسر له، قال ﷺ: " ... وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجلا من أمتي أدركته الصلاة فليصل.." ٢ فالأرض كلها مكان عبادة، إذ لا تختص العبادة بين جدران بيت الله، فكل الأرض واقعة في سلطان الله، وعلى المرء أن يتقي الله حيثما تقلب به المكان.
وبين صلاة وصلاة، يشعر المسلم أنه منذ قليل كان بين يدي الله، يرفع يديه يستمد من هداه، وبعد قليل سيحين موعد الصلاة، ليقف من جديد بين يدي الله، ولا يليق بمن هذا حاله أن يغيب أو يغفل عن ذكر الله، فيظل العبد واقعا في مجال تأثير الصلاة، فيقوى الإيمان ويزداد، وتشتد العزائم فتنتزع صاحبها من مشاغل الحياة، وتنتصر النفس على المغريات، قال الله تعالى: ﴿رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ ٣.
ودوام الصلاة واطرادها على اختلاف الأحوال والأزمنة صفة تميزها عن سائر التكاليف العملية، فعامة التكاليف – سوى أركان الإسلام الأساسية: الصلاة والزكاة والصوم والحج – منطوة بمصالح معينة تدور معها، فتثبت برجاء المصلحة وترتفع برتفاعها أونفاذها، أو رهينة بعلاقات الناس تجب في أوضاع معينة، وتسقط بإعفاء وغيره. وأما
_________
١ سورة المؤمنون: الآية [١، ٢] .
٢ رواه البخاري ١/١١٣ كتاب الصلاة، باب قول النبي ﷺ جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، واللفظ له، ومسلم ١/٣٧٠، ٣٧١ ح٥٢١ كتاب المساجد ومواضع الصلاة.
٣ سورة النور: الآية [٣٧] .
1 / 19
أركان الإسلام المتقدمة فهي واجبات عينية، وحقوق لله لا تتخلف، ولكن الصلاة من بين تلك الأركان تتميز بصفة الدوام، لأن الصوم لا يجب إلا للمستطيع، والحج لا يلزم إلا من وجد إليه سبيلا، والزكاة لا يخرجها إلا من ملك النصاب، أما الصلاة فلا تسقطها أعذار الطاقة، وإنما تخفف أركانها لرفع الحرج، ويبقى أصلها لألا تتخلف معانيها الجليلة١.
الصلاة تجمع جميع أركان الإسلام:
وتكاد الصلاة تكون جماعا لأركان الإسلام، وذلك لاشتمالها على الشهادتين في التشهد الأول والأخير، والصلاة ذاتها زكا يومية، فالمصلي يبذل من وقته لأداء الصلاة، في حين يحتاج إلى هذا الوقت لأداء عمل يستفيد منه في تحصيل مال الذي سيزكي عنه، فعندما يصلي، ينفق من وقته، الذي هو أصل المال، فكما٢ أن الزكاة طهرة للمال، فكذا الصلاة طهرة للأوقات، وطهرة للإنسان مما يرتكبه من معاص في أوقاته، وفجوات الأزمان التي بين صلواته، وكفى على ذلك شهيدا قوله ﷺ: "أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا، ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيئا، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بها الخطايا" ٣.
بل تتعدى الصلاة لتكون تمهيدا للنفس وإعدادا لها
_________
١ الصلاة عماد الدين: د/حسن ص ٥٤.
٢ فصول مهمة في حصول التتمة: للإمام العلامة على بن محمد سلطان القاري المكي ص١٣.
٣ رواه البخاري ١/١٣٤ كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلوات الخمس كفارة.
1 / 20
لتتلخص من البخل والأنانية، فالصلاة١ وما فيها من إقرار لله بالربوبية، وما تشتمل عليه من خضوع لله، وقيام وركوع وسجود، هي ترويض للنفس، وإذلال لكبريائها، وجعلها طيعة لقبول الأوامر الإلهية والعمل بها.
ومن هنا نلمح اقتران ذكر الصلاة بالزكاة في أكثر الآيات التي أمرت بالزكاة، ويأتي الأمر بالزكاة بعد الأمر بالصلاة، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ ٢، ﴿أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ ٣، ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ ٤، ﴿وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ﴾ ٥، ﴿وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا﴾ ٦.
وبأساليب مختلفة يقترن ذكر الزكاة بذكر الصلاة، قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ ٧
والصلاة بعد ذلك أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، تصوم فيها نفس الإنسان وجوارحه عن جميع المخالفات التي
_________
١ الصلاة عماد الدين: د/ حسن الترابي ص ٥٤.
٢ وردت عدة مرات في سورة البقرة، الآيات [٤٣]، [٨٣]، [١١٠]، وسورة النساء الآية [٧٧]، وسورة النور الآية [٥٦]، وسورة المجادلة الآية [١٣]، وسورة المزمل الآية [٢٠] .
٣ سورة البقرة، الآية [٢٧٧]، وسورة التوبة الآيتان [٥]، [١١]، وسورة الحج، الآية [٤١] .
٤ سورة البقرة الآية [١٧٧]، وسورة التوبة الآية [١٨] .
٥ سورة الأحزاب الآية [٣٣] .
٦ سورة مريم الآية [٣١] .
٧ سورة البقرة الآيتان [٢، ٣] .
1 / 21
تفسد تمامها وكمالها.
ويتوجه المصلي شطر المسجد الحرام، قال الله تعالى ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ...﴾ ١ ملتزما بركن الصلاة في التوجه ومشتركا مع ركن الإسلام الحج من طرف.
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر:
وتأتي الصلاة لتعالج النفس البشرية من نوازع الشر حتى تصفو من الرذائل، ويبتعد صاحبها عن كل منكر، فعندما يقف المسلم بين يدي ربه خاشعا، راكعا وساجدا، يرتبط بخالقه، فتسمو نفسه، ويشعر بعلو مكانته، فيبتعد عما يغضب خالقه، حيث استقر في نفسه مراقبة الله، فكلما حدثته نفسه بالسوء تذكر نعم الله عليه، فالله سبحانه هو الذي أحسن إليه بنعمة الوجود، فلا تطاوعه نفسه بفعل المعاصي.
ويقرأ في الصلاة القرآن، ويتأمل الآيات، ويتدبر المعاني، فترد آيات العذاب، وأن الله شديد العقاب، فترتعد نفسه، وتلتفت عن غيها، فإذا تمكن من نفسه الخوف من الله، زجره ذلك عن كل فحشاء ومنكر ... وترد آيات الرحمة والنعيم والجنات، فتهفو نفسه إلى نيل الدرجات، والفوز بالجنات، فتزداد خشيته لله، فيتقي عذابه، ويسعى لنيل رضاه والفوز بنعيمه، بالتواضع لأوامره واجتناب نواهيه، قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ ٢
_________
١ سورة البقرة الآية [١٤٤] .
٢ سورة العنكبوت الآية [٥٤] .
1 / 22
ولعل السر في كثرة المصلين، وضعف أثر الصلاة في سلوكهم، هو أنهم لم يؤدوها إلا بهيئتها فقط، من قيام وركوع وسجود، ودعاء وتسبيح، وتكبير وتحميد، ولم يبلغوا درجة إقامتها تامة بحضور، وهكذا يتفاوت المصلون في الأجر والثواب وفي مدى استقامتهم في تنفيذ منهج الله، مع أن الأعمال التي يؤدونها في الصلاة واحدة، مما يؤكد تفاوت المصلين في روح الصلاة ولبها، وبقدر حضور القلب تكون إقامتها، ويكون أثرها ومدى انعكاسه على سلوك صاحبها.
جاء في الأثر: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"١، انظر إلى حال المنافقين الذين يودون الصلاة مع رسول الله ﷺ، ورغم ذلك كانوا في الدرك الأسفل من النار. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ ٢.
من آثار الصلاة:
والصلاة مفتاح كل خير، تعطي القلب أنسا وسعادة، وتعطي الروح بشرا وطمأنينة، وتعطي الجسد نشاطا وحيوية، الإنسان لا يستمر على حال واحدة، فإن وجدته صافيا ساعة تعكر أخرى، وإن وجدته مسرورا من شيء، نكد عليه شيء آخر.
_________
١ روي هذا الأثر عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا، أما الموقوف فرواه الطبري، وأما المرفوع فرواه الطبراني، ورواه أيضا مرسلا عن الحسن، رواه البيهقي في شعب الإيمان، ووقفه الإمام أحمد في كتاب الزهد من حديث ابن مسعود. انظر تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري: الزيلعي ٣/٤٤، ٤٥.
٢ سورة النساء الآيتان [١٤٢، ١٤٣] .
1 / 23
وتتعدد أنواع الصلاة، فللحضر صلاة، وللسفر صلاة وللمرض صلاة، وللخوف صلاة وللجمعة صلاة، وللعيدين صلاة، وللجنازة صلاة، وللإستسقاء صلاة، وللقيام صلاة وللضحى صلاة، وكأنها بهذا التعدد تطبب الإنسان، تداوي أسقامه، وتعالج علله وهمومها المتنوعة المتغيرة.
وتتكرر الصلوات المفروضة، لتكون بمثابة صيانة مستمرة للعبد، يعرض المسلم نفسه على خالقه، فيضل في رحاب الله، تحرسه مراقبته، يستمد منه سبحانه طاقات إيمانية تعينه على شواغل الحياة، فلا ينخدع بفتن الدنيا، وتشغله مادة، لأن قلبه يشحن من صلاة إلى صلاة، بزاد ينمي دوافع الخير، ويقضي على دوافع الشر، قال ﷺ: " ... ولا يزال أحدكم في صلاة ما انظر الصلاة" ١.
وللصلاة آثار تربوية، فهي تربي نفسها على طاعة الخالق، وتعلم العبد آداب العبودية، وواجبات الربوبية، بما تخرسه في قلب صاحبها من قدرة الله وعظمته، وبطشه وشدته، ورحمته ومغفرته، كما تحليه تجمله بمكارم الأخلاق، لسموها بنفسه عن صفات الخسة والدناءة، فإذا فتشت عن أثر الصلاة فيه، وجدته صادقا أمينا قانعا وفيا حليما متواضعا عدلا، ينأى عن الكذب والخيانة والطمع، والغدر والغضب والكبر والظلم ...
وعندما يتجه المصلون في أنحاء الدنيا إلى القبلة، يشعر المسلم بالتآلف والوحدة، ونبذ الفرقة، فلا مكان للون أو جنس أو طبقية، فكلنا عبيد لله، إلهنا واحد، وديننا واحد، وقبلتنا واحدة، لا فرق بين غني وفقير، وعظيم وحقير، يتوخى المسلم الاستقامة في استقبال بيت
_________
١ رواه البخاري ١/١٥٨-١٥٩ كتاب الآذان، باب فضل صلاة الجماعة.
1 / 24
الله، فلا يحيد ولا يميل، فيتربى بذلك على العدل في جميع أمور حياته، والحكمة بوضع كل شيء في موضعه.
يعيش آلام إخوانه المسلمين جماعة المسجد، وآمالهم، فيصبح عنصرا فعالا في جماعته ومجتمعه، تعوده الصلاة على الدقة في الموعد، والحرص على الوقت، تنظم له أوقاته، فيتعود النظام في جميع أمور حياته، ويتبع الإيمان فيتدرب على الطاعة والالتزام.
الصلاة أهم ركن في الإسلام بعد الشهادتين:
ويصور القرآن الكريم حال أهل النار، عندما يسألون عن سبب ما هم فيه منم العذاب، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ ١، فصلاة أو عمل كفر به أولئك المكذبون، وأول ما يندمون على تضييعه يوم القيامة، قال رسول الله ﷺ: "أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وفسدت فسد سائر عمله" ٢.
ولما للصلاة من الفضل العظيم بعد الشهادتين كانت آخر وصية أوصى بها رسول الله ﷺ أمته، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ما روي عن أم
_________
١ سورة المدثر، الآيات [٣٨:٤٨] .
٢ مجمع الزوائد: الهيثمي ١/٢٩١، ٢٩٢ وقال: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه القيم بن عثمان، قال البخاري: له أحاديث لا يتابع عليها، وذكر ابن حبان في الثقات وربما أخطأ.
1 / 25
سلمة ﵂ قالت: كان من آخر وصية رسول الله ﷺ: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" حتى جعل نبي الله ﷺ تلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه١.
والصلاة هي آخر ما يفقد من الدين، فإن ضاعت ضاع الدين كله، عن جابر بن عبد الله ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: "بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة" ٢.لذا ينبغ للمسلم أن يحرص على أداء الصلاة في أوقاتها، وألا يتكاسل عنها، فقد ذهب القرآن من حال الذين يلهون حتى يضيع الوقت وتفوت الصلاة، قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ ٣، وتوعد من ضيع الصلاة، قال الله تعالى: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ٤، عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله ﷺ: "لو أن صخرة وزنت عشر حلقات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها سبعين خريفا حتى ينتهي إلى غي وآثام؟ " قال: "بئران في أسفل جهنم يسيل منهما صديد أهل النار، وهما اللذان ذكرهما الله في كتابه ﴿أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ ٥، ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ ٦"٧
_________
١ رواه أحمد ١/٢٩٠ حديث أم سلمة زوج النبي ﷺ، قال في الفتح الرباني ٢/٢٠٧، ٢٠٨ وجه وإسناده جيد، وصحح الألباني في الإرواء ٧/٢٣٨.
٢ رواه مسلم ١/الآيتان ٥،٤
٣ سورة الماعون، الآيتان [٤، ٥] .
٤ سورة مريم، الآية [٥٩] .
٥ سورة مريم، الآية [٥٩] .
٦ سورة الفرقان، الآية [٦٨] .
٧ رواه الطبراني في الكبير ٨/٢٠٦، ٢٠٧ ح٧٧٣١، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان وقال يخطئون ١٠/٣٨٩.
1 / 26