49
وَبَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَعْقَبَ نَسْلًَا، اجْتَهَدَ نَسْلُهُ أَنْ يَقْتَدُوْا بِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، حَتَّى يَمْتَازُوْا بِالْأَخْلَاقِ الَّتِيْ امْتَازَ بِهَا أَبُوْهُمْ، وَيَحُوْزُوْا مِثْلَ مَا حَازَ مِنَ الْشَّرَفِ وَالْسُّؤْدَدِ، وَتَعِبَ رَهْطُهُمْ فِيْ تَقْوِيَةِ هَذِهِ الْرُّوْحُ فِيْهِمْ؛ طَمَعًَا فِيْ اسْتِبْقَاءِ هَذِهِ الْغَرَائِزِ الَّتِيْ أَوْرَثَهُمْ إِيَّاهَا سَلَفُهُمْ، وَهِيَ الَّتِيْ تُغْرِيْهِمْ بِالْفَضَائِلِ، وَتُبْعِدُهُمْ عَنِ الْرَّذَائِلِ، وَتَرْتَفِعُ بِهِمْ عَنْ سَفَاسِفِ الْأُمُوْرِ، وَيُقَالُ لِهَذَا: الْمَجْدُ الْتَّلِيْدُ. وَلِهَذَا كَانَ مِنْ الْعَادَةِ أَنَّهُ إِذَا أَقْدَمَ أَحَدُ أَبْنَاءِ الْبُيُوْتَاتِ الْكَرِيْمَةِ عَلَى عَمَلٍ خَسِيْسٍ، كَانَ أَوَّلَ مَا يُقَرِّعُهُ الْنَّاسُ، وَيُهَيِّبُوْنَ بِهِ إِلَى الْتَّوْبَةِ مِنْهُ، أَنْ يَقُوْلُوْا لَهُ: أَفَلَسْتَ أَنْتَ ابْنَ فُلَانٍ؟! أَوْ مِنْ آلِ فُلَانٍ؟! أَيَجْمُلُ بِكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا هُوَ كَذَا وَكَذَا؟!! فَمَا تَرَكْتَ لِلْسُّوْقَةِ وَالْطَّغَامِ؟! وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِيْ تَدُلُّ دِلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْأَصَالَةَ مَفْرُوْضٌ فِيْهَا أَنْ تَقْتَرِنَ بِالْنَّبَالَةِ، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: إِنَّ الْأَصِيْلَ فِيْ نَسَبِهِ يَنْبَغِيْ أَنْ يَكُوْنَ فَاضِلًَا فِيْ عَمَلِهِ، بَارِعًَا بِأَدَبِهِ، وَمَا جَاءَ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ يُعَدُّ شَاذًَّا. فَإِذَا تَقَرَّرَ عِنْدَنَا هَذَا، تَقَرَّرَ أَنَّ حِفْظَ الْنَّسَبِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ حِفْظِ الْفَضَائِلِ، وَإِمْتَاعِ الْمُجْتَمَعِ بِهَا، وَمَتَى كَثُرَتِ الْفَضَائِلُ فِيْ الْمُجْتَمَعِ؛ تَرَقَّتِ

1 / 50