الحلم والكرم
مداخلة: أغلب الزوجات تقول: إن الزوج خلقه غير جيد، يعني: مجرد كلمة تتكلم يرد الزوج بغضب ورفع صوت، وبالإضافة إلى ذلك يهجرها في الفراش، يعني: يجعل من الشيء الصغير أمرًا كبيرًا وعظيمًا.
الشيخ: نعم.
من حق الزوجة على زوجها أن يكون الزوج حليمًا عفوًا كريمًا، فالكمال لله وحده، والعصمة لسيدنا رسول الله ﷺ، وقد انتهى زمنها، وكل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
تذكر معي الآية التي ابتدأنا بها لقاءنا: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ [الروم:٢١] .
وهناك فرق كبير بين المودة والرحمة، فالمودة: الحب، فإذا ذبلت وردة الحب بين الزوجين بقيت الرحمة؛ لتظلل البيوت وتستمر الحياة، فإن أخطأت الزوجة واعترفت بخطئها فليعف الزوج، ولا يفتخر ولا يتكبر، ولا تنتفخ أوداجه، فهذا ليس من خلق الرجال فضلًا عن أخلاق الأزواج الصالحين المؤمنين الصادقين.
ما من بيت -أخي الحبيب- إلا وتحدث فيه المشاكل، لقد وقعت المشاكل في أطهر وأشرف بيت، في بيت سيدنا رسول الله ﷺ، بل خذ هذا الحديث الذي رواه البخاري من حديث عائشة: أنه حدث بينها وبين رسول الله شيء، وكان النبي ﷺ ألمعيًا ذكيًا عبقريًا صاحب قلب كبير، كان يعرف متى تكون عائشة راضية عنه، ومتى تكون غاضبة عليه، فيقول لها: (يا عائشة! والله إني لأعرف متى تكونين راضية ومتى تكونين علي غاضبة.
تقول: كيف يا رسول الله؟ فيقول: إن كنت عني راضية قلت: ورب محمد.
وإن كنت غاضبة قلت: ورب إبراهيم.
فقالت عائشة المحبة الفقيهة: أجل، والله لا أهجر إلا اسمك يا رسول الله)، إنما أنت في القلب، فحدث بينها وبين رسول الله شيء مع أنها أحب زوجات النبي ﷺ إلى قلبه، فقال النبي ﷺ: أترضين أن يكون أبوك حكمًا بيننا؟! فقالت: نعم.
فيدخل الصديق رضوان الله عليه على رسول الله وعائشة في بيتها، فقال النبي ﷺ: لـ عائشة: تكلمي أو أتكلم أنا.
فقالت عائشة: تكلم أنت ولا تقل إلا حقًا! فلم يتحملها الصديق فقام إلى السيدة عائشة فلطمها حتى أدماها، فقامت لتختفي خلف ظهر رسول الله، والرسول يقول لـ أبي بكر: (لا يا أبا بكر! والله ما لهذا دعوناك)، والله ما أردنا هذا منك! ﷺ وعفا عن عائشة.
كثير من إخواننا يظن أنه إن عفا عن امرأته فهو ضعيف مهزوز الشخصية، ولا يعلم أن الحلم من شيم الرجال، والعفو عند المقدرة من شيم الرجال، ولتعلم أن هذه زوجة ضعيفة مسكينة، والنبي ﷺ يقول: (إني أحرج عليكم حق الضعيفين: اليتيم والمرأة) .
من من الأزواج يتحمل أن يقف رسول الله ﷺ خصمًا له يوم القيامة؛ لأنه ظلم امرأته؟! سيكون خصمك يوم القيامة رسول الله ﷺ إن ظلمت هذه الضعيفة في بيتك، (فخياركم خياركم لنسائهم)، وفي صحيح مسلم أن النبي ﷺ قال لـ أشج عبد القيس: (إن فيك خصلتين يحبهما الله جل وعلا، قال: ما هما يا رسول الله؟ قال: الحلم والأناة)، قال: أكانا فيَّ قديمًا أم حديثًا؟ قال: بل قديمًا، فقال هذا الرجل الفقيه: الحمد لله الذي جبلني على خصلتين أو خلتين يحبهما الله ﷾.
وليعلم الزوج أن العفو عند المقدرة من شيم الرجال، فمن حق الزوجة إن أخطأت واعتذرت أن يقبل الزوج عذرها ويعفو عنها لتستمر الحياة.
5 / 11