لأني، دون سواي، تلك التي لا وطن لها.
يوقظني في الصباح نفير الجيوش المودعة. ولدوي أبواق النحاس أنغام تثقلها دموع الفراق، وأهازيج يجنحها طلب التفادي والاستبسال، فأمقت الظافرين، وأود لحظة أن أتوحد وإياهم لأنسى في ثروتهم فقري، وفي بطشهم هواني.
وإذ تمر مواكب الأمم المظلومة منكسة أعلامها وراء نعوش الشهداء، وهتاف الحرية والاستقلال يتغلب على أنين الثكل والتفجع منها، أعتز لأني ابنة شعب في حالة التكون والارتفاع، لا تابعة شعب تكون وارتفع ولم يبق أمامه سوى الانحدار.
ولكن الشعوب تهمس همسا يطرق مسمعي، فهؤلاء يقولون: «أنت لست منا لأنك من طائفة أخرى.» ويقول أولئك: «أنت لست منا لأنك من جنس آخر.»
فلماذا أكون، دون سواي، تلك التي لا وطن لها؟ •••
ولدت في بلد، وأبي من بلد، وأمي من بلد، وسكني في بلد، وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد، فلأي هذه البلدان أنتمي، وعن أي هذه البلدان أدافع؟
يمضي الموتى تاركين للأحفاد وراثات حسية ومعنوية ينعمون بها، وشرفا قوميا يعززونه، وتقاليد يحافظون عليها. أما أنا فلم يبق لي من آثار موتاي سوى الأثقال المعلقة في يدي وعنقي؛ أثقال إذا حاولت طرحها والفرار جرت قدماي ما هو أثقل منها، فهبطت على طريق جلجلتي تشير نحوي أصابع المتشفين الساخرين، وليس من يد رحيمة تعين وتؤاسي.
وأما متاع موتاي فاستولى عليه أولئك الأباعد، ولو تخلوا عنه لتحكم بي هؤلاء الأقارب الذين عيرتني منهم القحة بصفات انقلبت عندهم عيوبا، وأنكر علي الحسد منهم والخمول حق التمتع بما اشتريته بالجهود والعبرات.
بأي اللهجات أتفاهم والناس، وبأي الروابط أرتبط؟ أأتقيد بلغة جماعتي وهي، على زعمهم، ليست لي ولم توجد لأمثالي؟ أم أكتفي بلغة الغرباء وأنا في نظرهم متهجمة عليها؟ أأصون عادات قديمة يحاربها اليوم الناهضون، أم أقبل الأساليب الحديثة فأكون لسهام المحافظين هدفا؟
إذا جاملت العتي توصلا إلى ما لا غنى عنه قالوا عبدة تمرغ جبهتها في التراب وتتزلف، وإذا جعلت لي من المصارحة سلاحا، ومن الأنفة حصنا، سطت علي اليد الحديدية، ومزقتني ألسنة «الإخوان»، وانفض من حولي «المخلصون»؛ لأنهم إنما خلقوا لمساعدة نفوسهم.
Shafi da ba'a sani ba