الفصل الثاني
أهم المظاهر الاجتماعية والسياسية في ذلك العصر
(1) المظاهر الاجتماعية والسياسية (1-1) انقسام الدولة
أهم مظهر يأخذ بالأبصار في ذلك العصر ما حصل للدولة الإسلامية من الانقسام؛ فقد كانت المملكة الإسلامية كلها في العصر العباسي الأول إذا استثنينا الأندلس وبعض بلاد المغرب تكون كتلة واحدة، وتخضع خضوعا تاما للخليفة في بغداد، هو الذي يعين ولاتها، وإليه يجبى خراجها، وإليه ترجع في إدارتها وقضائها وجندها وحل مشاكلها، وتدعو له على المنابر وتضرب السكة باسمه، ونحو ذلك من مظاهر السلطان. ثم أخذ هذا السلطان يقل شيئا فشيئا بضعف الخلافة حتى تمزقت المملكة كل ممزق.
وأخذت الأقطار الإسلامية تستقل عن بغداد شيئا فشيئا، وأخذ يخشى ولاتها وأمراؤها بعضهم بأس بعض، ويضرب بعضهم بعضا؛ فصارت المملكة الإسلامية عبارة عن دول متعددة مستقلة، علاقة بعضها مع بعض علاقة محالفة أحيانا وعداء غالبا، وأصبح لكل دولة مالها وجندها وإدارتها وقضاؤها وسكتها وأميرها، إن اعترف بعضها بالخليفة في بغداد حينا من الزمن، فاعتراف ظاهري ليس له أثر فعلي! وسودت صحف التاريخ بالقتال المستمر بين هذه الدول، وشغلوا بقتال أنفسهم عن قتال عدوهم؛ ومن أجل هذا طمع فيهم الروم يغزونهم كل حين ويستولون على بلادهم شيئا فشيئا، حتى الزنج والحبشة كانوا يغيرون على الدولة الفينة بعد الفينة فينهبون ويسلبون، ولم تعد المملكة الإسلامية مخشية الجانب كما كانت أيام وحدتها.
ففي سنة 324ه كانت البصرة في يد ابن رائق، وفارس في يد علي بن بويه، وأصبهان والري والجيل في يد أبي علي الحسن بن بويه، والموصل وديار بكر وربيعة في أيدي بني حمدان، ومصر والشام في يد الإخشيديين؛ وإفريقية في يد الفاطميين، وخراسان وما وراء النهر في يد السامانيين، وطبرستان وجرجان في يد الديلم، وخوزستان بيد البريدي، والبحرين واليمامة وهجر بيد القرامطة، ولم يبق للخليفة إلا بغداد وما حولها، وحتى هذه لم يكن له فيها إلا الاسم.
وقد أجاد المسعودي في ملاحظته وجه الشبه بين حالة المملكة الإسلامية بعد هذا الانقسام، ومملكة الإسكندر المقدوني بعد وفاته فقال: «ولم نعرض لوصف أخلاق المتقي والمستكفي والمطيع ومذاهبهم؛ إذ كانوا كالمولى عليهم، لا أمر ينفذ لهم، أما ما نأى عنهم من البلدان فتغلب على أكثرها المتغلبون، واستظهروا بكثرة الرجال والأموال، واقتصروا على مكاتبتهم بإمرة المؤمنين والدعاء لهم، وأما بالحضرة - بغداد - فتفرد بالأمور غيرهم فصاروا مقهورين خائفين، قد قنعوا باسم الخلافة ورضوا بالسلامة. وما أشبه أمور الناس في الوقت إلا بما كانت عليه ملوك الطوائف بعد قتل الملك الإسكندر بن فيلبس دارا ملك بابل إلى ظهور أردشير بن بابك، كل قد غلب على صقعه يحامي عنه، ويطلب الازدياد إليه مع قلة العمارة وانقطاع السبل، وخراب كثير من البلاد، وذهاب الأطراف، وغلبة الروم وغيرهم من الممالك على كثير من ثغور الإسلام ومدنه.»
1
كان كثير من الدول يعترف بالخلافة وسلطتها الدينية، فهي إذا استقلت سياسيا ومدنيا رأت مما يزيدها سلطة وقوة اعترافها بالخليفة واعتراف الخليفة بها، كما فعل عضد الدولة بن بويه مثلا لما فتح كرمان، فقد استرضى الخليفة فأنفذ إليه الخليفة عهده وخلعه من الطوق والسوارين.
2
Shafi da ba'a sani ba