لقد كان من أعلام الكتاب من هم من الطبقة العليا في المجتمع، كابن العميد، وابن عباد، والوزير المهلبي، والخصيبي، والإسكافي وزير السامانيين، ويلحق بهم أمثال إبراهيم بن هلال الصابي الذي كاد يكون وزيرا.
فهؤلاء - بحكم جاههم وعزهم وترفهم - كان نتاجهم الأدبي مترفا يتأنق في فنه؛ فأناقة الملبس والمأكل والمعيشة جديرة بأن تحمل أصحابها على التأنق في الأدب، فأدب هذا العصر تقدم خطوات في السجع والمحسنات اللفظية، والمبالغة البلاغية، فالصابي وابن عباد أفرطا في السجع، وكادا يلتزمانه، وغيرهما يسجع وإن كان لا يلتزم، هذا إلى الإمعان في الاستعارات والمجازات والتشبيهات، وتفننوا في تزيين الكتابة تفنن أصحاب الطرف فيما يصنعون من حلي وأدوات زينة، وإذ كانوا في مركز رئيسي في الحياة الاجتماعية كان طبيعيا أن يكون نتاجهم هو المثل يقلد ويحتذى، فمن كان أديبا فقيرا تشبه بهم وحذا حذوهم، وهم بذلك قد خلقوا ذوقا عاما في الأدب يستحسن طريقتهم، فجارى الأدباء هذا الذوق، كما تراه عند الثعالبي في كتبه فيما ينشئ وفيما يروي.
وأبو حيان يصف الصاحب ابن عباد بقوله: «كان كلفه بالسجع في الكلام والقلم، عند الجد والهزل، يزيد على كلف كل من رأيناه في هذه البلاد. قلت لابن المسيبي: أين يبلغ ابن عباد في عشقه للسجع؟ قال: يبلغ به ذلك لو أنه رأى سجعة ينحل بموقعها عروة الملك، ويضطرب لها حبل الدولة، ويحتاج من أجلها إلى غرم ثقيل، وكلفة صعبة، وتجشم أمور، وركوب أهوال، لما كان يخف عليه أن يفرج عنها ويخليها، بل يأتي بها ويستعملها، ولا يعبأ بجميع ما وصفت من عاقبتها.»
هذا إلى الإمعان في المبالغة كقول الصابي: «وصل كتاب قاضي القضاة بالألفاظ التي لو مازجت البحر لأعذبته، والمعاني التي لو واجهت دجى الليل لأزاحته وأذهبته.»
ويقول بديع الزمان الهمذاني لرجل طلب إليه نسخة من رسائله: «ولو قدرت جعلت الورق من جلدي، بل من صحن خدي، والقلم من بناني، والمداد من أجفاني.»
وإلى السجع والمبالغة ضروب من التزاويق، ككثرة التشبيه والاستعارة من مثل قول الصاحب في وصف مجلس: «قد تفتحت فيه عيون النرجس، وتوردت فيه خدود البنفسج وفاحت مجامر الأترج، وفتقت فارت النارنج، وانطلقت ألسنة العيدان، وهبت رياح الأقداح، ونفقت سوق الأنس، وامتدت سماء الند.»
هذا إلى مثل عمل قطع أدبية خالية من بعض حروف الهجاء، أو تقرأ طردا وعكسا ... إلخ.
فهذه التزاويق اللفظية صدى للتزاويق في الحياة الاجتماعية، ونرى كثيرا من الأدب في هذا العصر شكلا تنقصه الروح، كما كانت الحياة الاجتماعية المترفة كذلك شكلا بلا روح.
ويتصل بهذا شيوع المقطوعات الشعرية القصيرة بجانب القصائد الطويلة، ويقابله في الموسيقى الميل إلى ما نسميه «الطقاطيق» بجانب «الأدوار».
ولعل هذا نشأ من كثرة المجالس الأدبية غير الرسمية في منازل الأصدقاء والأغنياء والأدباء، وحبهم للملح والتنادر ووصف ما يعرض، فأبيات قصيرة في الغزل تحوي معنى واحدا رشيقا، وأبيات فيما يعرض من النوادر، كأبيات في إنسان ساقط يلبس عمامة سرية،
Shafi da ba'a sani ba