Shugabannin Gyara a Zamanin Zamani
زعماء الإصلاح في العصر الحديث
Nau'ikan
ثم عرض للاستبداد والمال، ويعني بذلك الحكومة الاستبدادية وأثرها في الثروة أو الحالة الاقتصادية في البلاد. وهو في هذا الموضوع يرى الخير في نوع معتدل من الاشتراكية، نعم لا ينبغي أن يتساوى العالم الذي أنفق زهرة حياته في تحصيل العلم النافع، أو الصانع الماهر في صنعة مفيدة، وذلك الجاهل الخامل النائم في ظل الحائط، ولكن العدالة تقضي أن يأخذ الراقي بيد السافل والغني بيد الفقير، فيقربه من منزلته، ويقاربه في معيشته؛ وقد مال الإسلام إلى هذا النوع، ففرض الزكاة (2,5٪) من رءوس الأموال تعطي للفقراء وذي الحاجة، وحرم الربا، لأنه وإن أجازه الاقتصاديون لأسباب معقولة اقتصاديا (للقيام بالأعمال الكبيرة، ولأن الأموال المتداولة في السوق لا تكفي للتداول، فكيف إذا أمسك المكتنزون قسما منها، ولأن كثيرا من القادرين على العمل لا يجدون رءوس المال) فإن الدين ورجال الأخلاق ينظرون إليه من حيث ضرره الأخلاقي، لأنه متى انتشر قسم الناس إلى عبيد وسادة، وكان سببا في ضياع استقلال الأمم الضعيفة.
والحكومة الاستبدادية سبب في اختلال نظام الثروة فهي تجعل رجال السياسة والدين ومن يلحق بهم يتمتعون بحظ عظيم من مال الدولة، مع أن عددهم لا يتجاوز الواحد في المائة، وهي تخصص المال الكثير لترف المستبد وسرفه، وتغدق على صنائعها،
7
ومن يستخدم لتحصيل شهواتها، ومن يعنيها على طغيانها، وسائر أفراد الشعب في شقاء وبؤس؟
ثم الحكومات المستبدة تيسر للسفلة طرق الغنى بالسرقة والتعدي على الحقوق العامة ويكفي أحدهم أن يتصل بباب أحد المستبدين ويتقرب من أعتابه، ويتوسل إلى ذلك بالتملق وشهادة الزور وخدمة الشهوات والتجسس، ليسهل له الحصول على الثروة الطائلة من دم الشعب.
3
عرض «الكواكبي» بعد ذلك لأثر الاستبداد في فساد الأخلاق، فالاستبداد يتصرف في أكثر الميول الطبيعية والأخلاق الفاضلة فيضعفها أو يفسدها. فهو يفقد الإنسان عاطفة الحب، فهو لا يحب قومه لأنهم عون الاستبداد عليه، ولا يحب وطنه لأنه يشقى فيه، وهو ضعيف الحب لأسرته لأنه ليس سعيدا فيها، وهو لا يركن إلى صديقه لأنه قد يأتي عليه يوم يكون فيه عونا على الاستبداد ومصدر شر له.
الإنسان في ظل الاستبداد لا ينعم بلذة العزة والشمم والرجولة، فلا يذوق إلا اللذة البهيمية لأنه لا يعرف غيرها.
والاستبداد يلعب بالأخلاق، فيجعل من الفضائل رذائل، ومن الرذائل فضائل: فيسمي النصح فضولا، والشهامة تجبرا، والحمية طيشا، والإنسانية حمقا، والرحمة مرضا، كما يسمي النفاق سياسة، والتحايل كياسة، والدناءة لطفا، والنذالة دماثة وظرفا.
والاستبداد أفسد عقول المؤرخين، فسموا الجبابرة الفاتحين عظماء أجلاء، مع أنه لم يصدر عنهم إلا الإسراف في القتل والتخريب، ثم أشادوا بذكر السلف تملقا للخلف.
Shafi da ba'a sani ba