الخلود ليدل على كمالهم في التنعم والسرور ، فقال : ( وهم فيها خالدون ) دائمون. والخلد والخلود في الأصل الثبات المديد دام أو لم يدم ، ولذلك قيل للأثافي والأحجار : خولد ، وللجزء الذي يبقى من الإنسان على حاله ما دام حيا : خلد ، وهو القلب ، ولو كان وضعه للدوام كان ظاهر (1) التقييد بالتأبيد في قوله : ( خالدين فيها أبدا ) (2) لغوا ، لكن المراد به هاهنا الدوام والبقاء اللازم الذي لا ينقطع ، لما يشهد به الآيات والسنن.
واعلم أنه يمكن أن الله تعالى يعيد الأبدان في الآخرة بحيث لا يعنورها الاستحالة ، بأن يجعل أجزاءها مثلا متقاومة في الكيفية متساوية في القوة ، لا يقوى شيء منها على إحالة الآخر ، متعانقة متلازمة لا ينفك بعضها عن بعض ، كما يشاهد في بعض المعادن.
هذا ، وإن قياس ذلك العالم وأحواله على ما نجده ونشاهده من نقص العقل وضعف البصيرة. فلا يرد أن الأبدان مركبة من أجزاء متضادة الكيفية ، معرضة للاستحالة المؤدية إلى الانفكاك والانحلال ، فكيف يعقل خلودها في الجنة؟
( إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ما ذا أراد الله بهذا مثلا يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين (26))
Shafi 98