لرحمة الله. نبه به على أن التقوى منتهى درجات السالكين ، وهو التبري عن كل شيء سوى الله إلى الله ، وأن العابد ينبغي أن لا يغتر بعبادته ، ويكون ذا خوف ورجاء ، كما قال الله تعالى : ( يدعون ربهم خوفا وطمعا ) (1) ( ويرجون رحمته ويخافون عذابه ) (2). أو من مفعول «خلقكم» والمعطوف عليه ، على معنى : أنه خلقكم ومن قبلكم في صورة من يرجى منه التقوى ، لترجح أمره باجتماع أسبابه وكثرة الدواعي إليه.
وتحقيق المرام في هذا المقام : أن «لعل» في الآية واقعة موقع المجاز لا الحقيقة ، لأن الله عز وجل عالم الغيب والشهادة ، فإطلاق الرجاء عليه حقيقة غير جائز. فالمعنى المراد منه هاهنا : أن الله عز وجل خلق عباده لتعبدهم بالتكليف ، وركب فيهم العقول والشهوات ، وأزاح العلة في إقدارهم وتمكينهم ، وهداهم النجدين ، ووضع في أيديهم زمام الاختيار ، وأراد منهم الخير والتقوى ، فهم في صورة المرجو منهم أن يتقوا ليترجح أمرهم ، وهم مختارون بين الطاعة والعصيان ، ومصداقه قوله تعالى : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) (3)، وإنما يبلو ويختبر من تخفى عليه العواقب ، ولكن شبه بالاختبار بناء أمرهم على الاختيار.
وقد جاء «لعل» و «عسى» الموضوعان للترجي في مواضع كثيرة من القرآن على سبيل الإطماع ، ولكن لأنه إطماع من كريم رحيم ، وإذا أطمع فعل ما يطمع فيه لا محالة ، لجري إطماعه مجرى وعده المحتوم وفاؤه به. وأيضا لما كان من ديدن الملوك وما عليه أوضاع أمرهم ورسومهم أن يقتصروا في مواعيدهم التي يوطنون أنفسهم على إنجازها على أن يقولوا : عسى ولعل ، ونحوهما من الكلمات ، أو يخيلوا إخالة ، أو يظفر منهم بالرمزة أو الابتسامة أو النظرة الحلوة ، فصدور ذلك من
Shafi 82