ربكم ). «يا» حرف وضع لنداء البعيد ، وأما نداء القريب فوضع له «أي» و «الهمزة» ، ثم استعمل «يا» في مناداة من سها وغفل وإن قرب ، تنزيلا له منزلة من بعد ، فإذا نودي به القريب المفاطن فذلك للتأكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معني به جدا. وقد ينادى به القريب تنزيلا له منزلة البعيد ، لجلال عظمة المنادى ونهاية حقارة المنادي ، كقول الداعي : يا الله يا رب ، وهو أقرب إليه من حبل الوريد. وهو مع المنادى جملة مفيدة ، لأنه نائب مناب الفعل.
و «أي» اسم مبهم جعل وصلة إلى نداء المعرف باللام ، فإن إدخال «يا» عليه متعذر ، لتعذر الجمع بين حرفي التعريف. واعطي حكم المنادى ، واجري عليه المقصود بالنداء وصفا موضحا ليزيل إبهامه. والتزم رفعه إشعارا بأنه المقصود. وأقحمت هاء التنبيه بين الصفة وموصوفها تأكيدا ، وتعويضا عما يستحقه «أي» من المضاف إليه ، فإنه لازم الإضافة. وقد كثر في كتاب الله النداء على هذه الطريقة ، لاستقلاله بأبلغ تأكيد ، وهو التدرج من الإبهام إلى التوضيح. والإتيان بكلمة التنبيه المقحمة بين «أي» وصفته لتعاضد حرف النداء بتأكيد معناه. وكل ما نادى الله تعالى له عباده من حيث إنها امور عظام ، من الأمر والنهي والوعد والوعيد وغير ذلك ، من حقها أن يتفطنوا إليها ويقبلوا بقلوبهم عليها ، وأكثرهم عنها غافلون حقيق بأن ينادى له بالآكد الأبلغ.
والجموع واسماؤها المحلاة للعموم حيث لا عهد. ويدل عليه صحة الاستثناء منها ، والتوكيد بما يفيد العموم ، كقوله تعالى : ( فسجد الملائكة كلهم أجمعون ) (1). فالناس يعم الموجودين وقت النزول لفظا ومن سيوجد ، لما تواتر من دينه صلى الله عليه وآلهوسلم أن مقتضى خطابه وأحكامه شامل للقبيلين ، ثابت إلى قيام الساعة معنى ، إلا ما خصه الدليل.
Shafi 80