وحسدا على ما يرون من إثبات أمر الرسول واستعلاء شأنه يوما فيوما ، ونفوسهم كانت مؤوفة (1) بالكفر وسوء الاعتقاد ومعاداة النبي صلى الله عليه وآلهوسلم ونحوها.
( فزادهم الله مرضا ) بسبب ما ينزل على رسوله من الوحي ، فيكفرون ويزدادون كفرا إلى كفرهم ، فكأنه سبحانه زادهم ما ازدادوه ، فأسند الفعل إلى المسبب ، كما أسنده إلى السورة في قوله : ( فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) (2) لكونها سببا ، أو أراد : كلما زاد الله رسوله نصرة على الأعداء وتمكنا وتبسطا في البلاد واستعلاء لشأنه يوما فيوما ، فزادهم الله غمهم بما زاد في إعلاء أمره واعتلاء ذكره ، فازدادوا غلا وحسدا ، أو ازدادت قلوبهم ضعفا وجبنا حين شاهدوا شوكة المسلمين ، وإمداد الله لهم بالملائكة ، وقذف الرعب في قلوبهم. أو زاد الله غم قلوبهم التي كانت متألمة تحرقا على ما فات عنهم من الرئاسة بما زاد في إعلاء أمره وارتفاع ذكره.
وهذا عذاب لهم في الدنيا ( ولهم عذاب أليم ) في الآخرة ، أي : مؤلم ، يقال : ألم فهو أليم ، كوجع فهو وجيع. وصف به العذاب للمبالغة على طريقة قولهم : جد جده. وذلك العذاب المؤلم لهم ( بما كانوا يكذبون ) أي : بسبب كذبهم. و «ما» مصدرية. والكذب هو الخبر عن الشيء على خلاف ما هو به. وفي هذا إشارة إلى قبح الكذب ، وأن لحوق العذاب الأليم من أجل كذبهم.
وقرأها عاصم وحمزة والكسائي ، وقرأ الباقون «يكذبون» من : كذبه ، لأنهم يكذبون الرسول بقلوبهم. أو من «كذب» الذي هو للمبالغة أو التكثير ، فيكون لازما. وفيه مبالغة إما باعتبار الكيف أو الكم ، مثل : بين الشيء وموتت البهائم. أو من : كذب الوحشي ، إذا جرى شوطا ووقف لينظر ما وراءه ، فإن المنافق متحير متردد.
Shafi 62