ثم عطف سبحانه على الإيمان الذي هو أشرف من الأعمال البدنية ، لابتناء صحتها عليه ذكر الصلاة التي هي رأس العبادات البدنية وأفضلها ، فقال : ( ويقيمون الصلاة ) أي : يواظبون عليها لأدائها ، من قولهم : قامت السوق إذا نفقت ، وأقمتها إذا جعلتها نافقة ، فإذا حوفظ عليها كانت كالنافق الذي يرغب فيه ، وإذا أضيعت كانت كالكاسد المرغوب عنه.
أو يتشمرون لأدائها من غير فتور ولا توان ، من قولهم : قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد. وضده : قعد عن الأمر وتقاعد.
أو يؤدونها ، عبر عن الأداء بالإقامة لاشتمالها على القيام ، كما عبر عنها بالقنوت والركوع والسجود والتسبيح.
أو يعدلون أركانها ويحفظونها من أن يقع زيغ واعوجاج في أفعالها ، من قولهم : أقام العود إذا قومه.
وهذا أظهر من الأولين ، لأنه أشهر ، وإلى الحقيقة أقرب وأفيد ، لتضمنه التنبيه على أن الحقيق بالمدح من راعى حدودها الظاهرة من الفرائض والسنن ، وحقوقها الباطنة من الخشوع والإقبال بقلبه على الله ، لا المصلون الذين هم في صلاتهم ساهون.
والصلاة فعلة من : صلى إذا دعا ، كالزكاة من : زكى ، كتبتا بالواو على لفظ المفخم. وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتمالها على الدعاء. وقيل : أصل «صلى» حرك الصلوين ، لأن المصلي يفعله في ركوعه وسجوده. وقيل من : صليت العود ، إذا لينته بالنار ، لأن المصلي لأن قلبه وذهب قساوته بها.
ثم عطف على ذلك العبادة المالية التي هي الإنفاق ، للجمع بين العبادات البدنية والمالية ، فقال : ( ومما رزقناهم ينفقون ). الرزق في اللغة : الحظ ، قال الله
Shafi 46