فكان حقه أن يقولوا : أي بقرة هي؟ أو كيف هي؟ لا أن يسألوا عن حقيقة البقرة كما هو مدلول ( ما هي ) فإن ما يسأل به الجنس غالبا. لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال عجيبة الشأن ، لم يوجد بها شيء من جنسه ، وهي أن تكون بقرة ميتة يضرب ببعضها ميت فيحيى ، فأجروا ما أمروا به مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله.
( قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ) لا مسنة ، يقال : فرضت البقرة فروضا من الفرض وهو القطع ، كأنها فرضت سنها وبلغت إلى نهاية الأجل ( ولا بكر ) ولا فتية. وتركيب البكر للأولية ، ومنه البكرة والباكورة. وتذكيرهما لأنه اسم لا صفة.
( عوان ) نصف ووسط ( بين ذلك ) إنما يشار به إلى مؤنثين ، وإنما هو للإشارة إلى واحد مذكر ، لأنه على تأويل ما ذكر من الفارض والبكر ، للاختصار في الكلام ، ولذلك أضيف إليه «بين» فإنه لا يضاف إلا إلى متعدد. وقد يجرى الضمير مجرى اسم الإشارة ، لادعاء تعيينه وكمال وضوحه بحيث كأنه مرئي ومنظور.
وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أن المراد بها معينة ، ويلزم منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. ومن أنكر ذلك زعم أن المراد بها بقرة من شق البقر غير مخصوصة ، ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم. ويلزمه النسخ قبل الفعل ، فإن التخصيص إبطال للتخيير الثابت بالنص. والحق جوازهما. ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ.
والمروي عنه صلى الله عليه وآلهوسلم : لو ذبحوا أدنى بقرة لأجزأتهم ، ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. والاستقصاء شؤم.
وأيضا يدل على القول الثاني تقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة بقوله : ( فافعلوا ما تؤمرون ) أي : ما تؤمرونه ، بمعنى ما تؤمرون به ، من قوله :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
فقد تركتك ذا مال وذا نسب (1)
Shafi 166