فأعمل الجاعل فيهما ، لأنه بمعنى الاستقبال ، ومعتمد على مسند إليه وهو «إني». ويجوز أن يكون بمعنى خالق.
والخليفة : من يخلف غيره وينوب منابه ، والهاء للمبالغة. والمراد به آدم عليه السلام ، لأنه كان خليفة الله في أرضه. وكذلك كل نبي استخلفهم الله في عمارة الأرض ، وسياسة الناس ، وتكميل نفوسهم ، وتنفيذ أمره فيهم ، لا لحاجة به تعالى إلى من ينوبه ، بل لقصور المستخلف عليه عن قبول فيضه وتلقي أمره بغير وسط ، ولذلك لم يستنبئ ملكا ، كما قال : ( ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ) (1). ألا ترى أن الأنبياء لما فاقت قوتهم واشتعلت قريحتهم بحيث يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ، أرسل الله إليهم الملائكة ، ومن كان منهم أعلى رتبة كلمه بلا واسطة ، كما كلم موسى في الميقات ومحمدا صلى الله عليه وآلهوسلم ليلة المعراج. ونظير ذلك في الطبيعة أن العظم لما عجز عن قبول الغذاء من اللحم لما بينهما من التباعد جعل الباري تعالى بحكمته بينهما الغضروف المناسب لهما ، ليأخذ من هذا ويعطي ذلك.
أو خليفة من سكن الأرض قبله ، فإن الملائكة كانوا سكان الأرض ، فخلفهم آدم فيها وذريته. واستغنى بذكر آدم عن ذكر بنيه كما يستغنى بذكر أبي القبيلة في قولك : مضر وربيعه. أو أريد . من يخلفكم ، أو خلفا يخلفكم.
وفائدة قوله تعالى هذا للملائكة تعليم المشاورة ، وتعظيم شأن المجعول ، بأن بشر عز وجل بوجوده سكان ملكوته ، ولقبه بالخليفة قبل خلقه ، وإظهار فضله الراجح على ما فيه من المفاسد بسؤالهم وجوابه ، وبيان أن الحكمة تقتضي إيجاد ما يغلب خيره ، فإن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.
قال أكثر المفسرين (2): إن الله تعالى خلق في الأرض قبل آدم خلقا يقال لهم :
Shafi 113