============================================================
صلب ورحم، ثم أبرزه في أشرف القبائل، وأكرم المناسب(1)، وأرسله إلى الخلق كافة، وبعثه إلى جميع الأمم عامة، فضيلة اختصه بها من بينهم، ودرجة فضله بها عليهم، مقفيا به آثارهم، ومحييا به سننهم وأخبارهم. فأكمل به الرسالات، وختم به النبوات، وبعثه بأفصح اللغات، وأعطاه أتم الكلمات، وأنطقه بأبين لسان، يفصل للناس ما نزل إليه بأبلغ بيان. فقال عز وجل (نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين [الشعراء: 195]. وأعطاه كتابا، وسماه "قرآنا"، وجعله لما تقدمه من الكتب مبينا وفرقانا(2). فبلغ صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، قائما بالحق، ناطقا بالصدق، ناصحا للأمة، شاكرا لنعمة، صابرا على كل ملمة، حتى توفاه الله راضيا عنه مرضيا، وهاديا به مهديا ، صلى الله عليه وسلم، أفضل ما صلى على أحد من أنبيائه ورسله. وبارك وترحم اتم رحمة وأنمى بركة على آله أجمعين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
أما بعد، فإن لغات الأمم أكثر من أن يحصيها أحذ، أو يحيط من ورائها محيط، أو يبلغ معرفة كنهها مخلوق، بل كل أمة تتكلم بلسانها، ولا يعرف أكثرهم غير لغتهم ، إلا القليل من الناس ، الذين علمهم الله فتكلموا بلسانين أو ثلاثة. ولن عدو ذلك إلا القليل، ليترجم بعضهم لبعض، وليتعاشروا ويتعايش بعضهم(2) مع بعض، أو من علمه الله من الأنبياء ما أراد. فقد أوتي سليمان عليه السلام منطق الطير، وعلم كلام الحكل(4)، فضلا عن معرفة لغات الآدميين. والله عز وجل لا تخفى عليه تصاريف اللغات، ولا تشغله كثرة الأصوات، أحاط بذلك كله علما، لأنه أنطق عباده بها، وفتح(5) ألسنتهم عليها. فسبحان الذي لا يعزب عنه {من (1) في جميع الأصول: المناصب . والتصحيح من المطبوع . (2) الجملة من (وجعله) سقطت من ه.
(3) الجملة من (لبعض) سقطت من م والمطبوع. وهي في الأصول الأخرى . ل (4) كلام الحكل : ما لا يسمع له صوت كالذر ونحوه، قال الشاعر: ويفهم قول الحكل لو أن ذرة تساود أخري لم يفته سوادها البيان والتبيين 56/1، أساس البلاغة ص 187 .
(5) في المطبوع: فتق.
Shafi 91